عبادة الطبقة الثالثة بين الحبّ والشكر
ورد في بعض الروايات أنّ الطبقة الثالثة تعبدُ الله «شكراً» بدل «حبّاً». عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «إنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار» (1).والسبب في وصفهم عليه السلام عبادةَ الأحرار تارةً بالحبّ وأخرى بالشكر، لكون مرجعهما واحداً، فإنّ الشكر وضع الشيء المنعم به في محلّه، والعبادة شكرها أن تكون لله الذي يستحقّها لذاته، فيُعبد الله لأنّه الله، أي لأنّه مستجمع لجميع صفات الجمال والجلال بذاته، فهو الجميل بذاته المحبوب لذاته، فليس الحبّ إلاّ الميل إلى الجمال والانجذاب نحوه. فقولنا فيه تعالى «هو معبود لأنّه هو»، و«معبود لأنّه جميل محبوب»، و«معبود لأنّه مُنعم مشكور بالعبادة»، يرجع جميعها إلى معنىً واحد.
ببيان آخر: الشاكرون هم الذين استقرّت فيهم صفة الشكر على الإطلاق، فلا يمسّون نعمة إلاّ بشكر أي بأن يستعملوها ويتصرّفوا فيها قولاً أو فعلاً على نحو يظهرون به أنّها من عند ربّهم قبل أن يمسّوه ومعه وبعده، وأنّهم مملوكون له تعالى طلقاً ليس لهم من الأمر شيء، فذكْرهم ربّهم على هذه الوتيرة يُنسيهم ذكر غيره، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فلو أُعطي اللفظ حقّ معناه لكان الشاكرون هم المخلَصين.
ــــــــــ
(1) نهج البلاغة، مصدر سابق: الحكمة رقم 237.