Rss Feed

  1. (14) المفردة الأولى: الهداية
    في هذه المفردة عدّة أبحاث:
    البحث الأوّل: الهداية لغة
    قال الراغب في «المفردات»: «الهداية: دلالة بلطف» (2)، ولذا ذكر جملة من الأعلام اختصاصها بالدلالة لما فيه خير المدلول؛ لأن التلطّف يناسب من أريد به الخير.
    من هنا قيل: كيف يمكن أن تكون الهداية هي «الدلالة بلطف» وقد
    ــــــــــ
    (1) تفسير نور الثقلين، مصدر سابق: ج1 ص5؛ صحيح مسلم، تصنيف الإمام الحافظ أبي الحسين مسلم بن الحجّاج القُشيري النيسابوري، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، من منشورات بيت الأفكار الدوليّة: باب وجوب قراءة الفاتحة في كلّ ركعة، الحديث رقم 395.
    (2) المفردات في غريب القرآن: مادة «هدى»، ص 538.


    صفحة 349
    استخدمت في القرآن للدلالة إلى النار، وهي لا تكون بلطف، كما في قوله تعالى: (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) (الصافات: 23)، وقوله تعالى: (وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) (الحـج: 4).
    وأجيب: لعلّ ذلك استعمل فيه مجازاً وعلى نحو التهكّم والاستهزاء، كقوله تعالى: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (آل عمران: 21)، والبشارة لا تكون بالشرّ والعذاب.
    وقد يقال: إنّما عُبّر عن ذلك بالهداية من حيث كان بدلاً من الهداية إلى الجنّة، كقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) من حيث إنّ هذه البشارة وقعت لهم بدلاً من البشارة بالنعيم.
    إلاَّ أنّ هذا التعريف محلّ نظر؛ لخلوّ كتب اللغة عن القيد المذكور، وإنّما الموجود فيها تفسير الهداية بالإرشاد والدلالة، كما في الصحاح(1)، وأمّا لزوم كونها مقرونة باللطف فهو مسكوت عنه، نعم في «تاج العروس» فسّر كلام القاموس بذلك، إلاَّ أنّه خارج عن اللغة ولا يساعد عليه التبادر ولا موارد الاستعمال.
    على هذا فالهداية ـ لغة ـ هي الدلالة، سواء كانت إلى الحقِّ أو الباطل، وإن كان الغالب استعمالها في القرآن في المعنى الأوّل، إلاَّ أنّه لم يبلغ حدّ مهجوريّة المعنى اللغوي؛ ولذلك قيل: الهداية ـ في الاستعمال الشرعي ـ الدلالة إلى الحقّ وإراءة طريقة الإرشاد إليه. من هنا قد تستعمل في الباطل أيضاً على نحو الحقيقة كما في قوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد: 10)، وقوله: (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) (الصافات: 23)، وعلى هذا فلا حاجة للحمل على الاستهزاء والتهكّم؛ لأنّه خلاف الأصل.
    ــــــــــ
    (1) الصحاح: مادة: «الهُدى»، ج6، ص2533.

    صفحة 350
    وكيفما كان فالهداية بالمعنى الذي نعرفه هي من العناوين التي تعنون بها الأفعال وتتّصف بها، تقول: هديت فلاناً إلى أمر كذا، إذا ذكرت له كيفيّة الوصول إليه أو أريته الطريق الذي ينتهي إليه، وهذه هي الهداية بمعنى إراءة الطريق، أو أخذت بيده وصاحَبْته في الطريق حتّى توصله إلى الغاية المطلوبة، وهذه هي الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب.
    فالواقع في الخارج في جميع هذه الموارد هو أقسام الأفعال التي تأتي بها من ذكر الطريق أو إراءته أو المشي مع المهديّ.
    وأمّا الهداية فهي عنوان للفعل يدور معه مدار القصد، كما أنّ ما يأتيه المهديّ من الفعل في إثره معنْوَن بعنوان الاهتداء.
    والحاصل: الهداية هي الدلالة وإراءة الغاية بإراءة الشيء الطريق الموصل إلى مطلوبه أو إيصاله إلى مطلوبه، ويعود المعنيان في الحقيقة إلى معنىً واحد، وهو نوع من إيصال الشيء إلى مطلوبه، إمّا بإيصاله إليه نفسه أو إلى طريقه الموصل إليه.

فهرس الكتاب