البحث الثاني: أبنفسها تتعدى الهداية أم بغيرها؟
وقع الكلام بين أعلام اللغويين أنّ الهداية متعدّية بنفسها أم بغيرها؟ فذهب بعضهم إلى أنّها تتعدّى إلى مفعول واحد بنفسها، وتتعدّى إلى المفعول الثاني بـ(إلى) وبـ(اللام)؛ قال تعالى: (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) (الصافات: 23)، وقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) (الأعراف: 43).وذهب آخرون إلى أنّها تتعدّى إلى المفعول الثاني بنفسها كما هو الحال بالنسبة إلى المفعول الأوّل، كما هو الحال في مورد البحث (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهي لغة أهل الحجاز؛ قال الجوهري: «وهديته الطريق والبيت هداية، أي عرّفته، هذه لغة أهل الحجاز، وغيرهم يقول: هديته إلى الطريق وإلى الدار،
صفحة 351
حكاها الأخفش» (1).إلاَّ أنّه أشكل على ما ذكر من لغة أهل الحجاز: بأنّ هناك فرقاً بين الهداية المتعدّية إلى المفعول الثاني بنفسها، عن المتعدّية بغيرها، هو أنّ الهداية الأولى هي بمعنى الإيصال إلى المطلوب، والثانية: هي بمعنى إراءة الطريق. واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص: 56)، حيث قيل: إنّ الهداية المنفيّة في الآية ليست هي بمعنى إراءة الطريق؛ لأنّها ثابتة له صلى الله عليه وآله؛ لقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى: 52)، فلا يبقى إلاَّ الإيصال إلى المطلوب، والمفروض أنّ الهداية فيها تعدّت بنفسها، وعليه فلا يبقى للهداية بمعنى إراءة الطريق إلاَّ أن تتعدّى بغيرها.
إلاَّ أنّ هذا البيان غير تامّ؛ لأنّ الآية ليست بصدد نفي نوع خاصّ من الهداية عنه صلّى الله عليه وآله، وإنّما تنفي عنه الهداية مطلقاً، لأنّه ليس له من الأمر شيء، وإنّما الأمر كلّه لله تعالى؛ لأنّه المالك الحقيقي للهداية وغيرها. هذا مضافاً إلى أنّه منقوض بقوله تعالى: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِي أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: 38).
وعلى هذا فالصحيح أنّه لا يتفاوت معنى الهداية باختلاف التعدية، وإنّما هي بمعنى واحد مفهوماً، نعم قد تختلف المصاديق في كون بعضها متعدّية بنفسها أو بغيرها.