الثالثة: وجه إسناد النعمة إليه تعالى وعدم إسناد الغضب والضلالة
قد يقال: ما هي النكتة في أنّ الآية أسندت النعمة إليه تعالى، إلّا أنّها لم تسند الغضب والضلال إليه، مع أنّ مقتضى سياق الآية أن يقال: صراط الذين أنعمت عليهم غير الذين غضبت عليهم ولا الذين أضللتهم.ويمكن أن يجاب عن ذلك بوجهين:
الأوّل: إنّ النعمة إنّما أسندت إليه تعالى لأنّها لا تكون إلّا منه، كما في قوله: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) (النحل: 53) بخلاف الغضب والضلالة فإنّهما وإن كانا ينسبان إليه إلّا أنّ سببهما إنّما ينشأ من الناس بمقتضى سوء أفعالهم وعقائدهم.
الثاني: إنّ الغضب والضلال ونظائرهما وإن أسندت إليه تعالى في لسانه، إلّا أنّ أدب العبودية يقتضي أن لا تُنسب إليه في لسان المخلوقين في مقام الإنشاء وإبراز العبودية والخضوع له. وهذا ما تجلّى في الأدب الإبراهيمي مع الله سبحانه؛ قال تعالى حكاية عنه: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) (الشعراء: 78 ـ 81). حيث أسند النعم جميعاً إليه، أمّا المرض فليس كذلك.