السادسة: مصاديق أخرى للمغضوب عليهم والضالّين
من القواعد التي أشرنا إليها في المقدّمات: أنّ للآيات القرآنية اتساعاً من حيث انطباقها على المصاديق وبيان حالها، فالآية لا تختصّ بمورد نزولها، ولاــــــــــ
(1) نور الثقلين: الحديث 28، ج5، ص665.
صفحة 413
تنحصر في المصاديق التي ذكرت لها في النصوص القرآنية والروائية، بل فيها قابلية الانطباق والجري على كل مورد يتّحد مع مورد النزول ملاكاً، وإن لم يكن له تحقّق في زمان النزول وعصر النصّ، كالأمثال فإنّها لا تختصّ بمواردها الأُول، بل تَتَعدّاها إلى ما يناسبها، وهذا هو المراد من «الجري» بحسب اصطلاح أئمة أهل البيت عليهم السلام.بناءً على ذلك فإنّ المغضوب عليهم يقبل الانطباق على كلّ معاند ومتمرّد على الله، وجاحِد بالحقّ بعد إتمام الحجّة عليهم، كما في قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) (النمل: 14) وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الهُدَى) (محمد: 32).
والشواهد القرآنية على ذلك كثيرة؛ قال تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل: 106) وقال: (وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (آل عمران: 112).
وكذا الأمر في الضالّين، فإنّه لا ينحصر في ما ذكر له من مصاديق، بل يشمل كلّ متحيّر غير واصل إلى الحقّ وغير متوّغل في الباطل، بل هو في صراط الفحص للوصول إلى الحقّ، وبتعبير آخر هم الذين لم يهتدوا إلى الصراط المستقيم، لكن لا عن تمرّد وعناد، بل لجهلهم في الحقيقة وعدم معرفتهم، وعلى هذا فيقبل الانطباق على كلّ من لم يهتد إلى الحقّ من غير تقصير.