Rss Feed

  1. الخامسة: الولاية الإلهيّة أعظم مصاديق النعم
    ذكرنا أنّ هذه الأشياء المعدودة نعماً إلهيّة، كالسمع والبصر وسائر الجوارح والصحّة والعافية والطيّبات من الرزق من النعم الظاهرة للحسّ، وكذا الشعور والإرادة والعقل ونحوها الغائبة عن الحسّ، إنّما تكون كذلك إذا وافقت الغرض الذي من أجله خُلِقَ الإنسان، فإنّها إنّما أوجدت لتكون عوناً للإنسان يتصرّف بها للوصول إلى سعادته الحقيقيّة، وهي القرب منه سبحانه بالعبوديّة المحضة.
    فكلّ ما تصرّف فيه الإنسان للسلوك به إلى حضرة القرب من الله وابتغاء مرضاته والوصول إلى رضوانه، فهو نعمة، وإن انعكس الأمر عاد نقمة في حقّه، ولذا نجد أنّه تعالى وصف كثيراً من هذه النعم بأوصاف مذمومة فقال: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (آل عمران: 178) وقال: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران:

    صفحة 412
    196 ـ 197) وقال: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) (المزمل: 11).
    إذن فهذه الأشياء في نفسها لا نعمة ولا نقمة، وإنّما هي نعمة لاشتمالها على روح العبودية ودخولها من حيث التصرّف المذكور تحت ولاية الله ـ التي هي تدبير الربوبية لشؤون العبد ـ ولازمه أنّ النعمة بالحقيقة هي الولاية الإلهيّة، وأنّ الشيء إنّما يصير نعمة إذا كان مشتملاً على شيء منها؛ قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (البقرة: 257) وقال: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ) (محمد: 11).
    ومن المعلوم أنه لا تتمّ ولاية الله سبحانه على أمور عباده تشريعاً وتكويناً إلّا بولاية رسوله، ولا ولاية لرسوله إلّا بولاية أولي الأمر من بعده؛ قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة: 55) وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: 59).
    من هنا يمكن أن يقال إنّه كلّما ذكرت النعمة في القرآن، ولم تكن هناك قرينة حالية أو مقالية دالّة على التقييد، فالمراد بها نعمة الولاية بالمعنى الأعمّ
    ـ الشاملة لولاية الله ورسوله وأولي الأمر ـ ويشهد لذلك قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (المائدة: 3) وما ورد في ذيل قوله: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ) (التكاثر: 8)؛ عن أبي عبد الله الصادق
    عليه السلام حيث قال: «نحن من النعيم» (1).

فهرس الكتاب