Rss Feed

  1. الثانية: الهادي بالأمر الإلهي مهدي بنفسه لا بغيره
    بعد أن ثبت أنّ الهداية ـ بجميع أنواعها ـ إنّما هي لله سبحانه أوّلاً وبالذات، وأنّ غيره إنّما يهدي بإذنه، هنا نريد الإشارة إلى أنّ الذي يقوم بدور الهادي في الهداية التكوينيّة الخاصّة ـ أي الإيصال إلى المطلوب ـ لابدّ أن يكون مهديّاً بنفسه لا بغيره، بمعنى أنه يكون مهدّياً من غير واسطة تتخلّل بينه وبين الله تعالى، فيكون مهدّياً بالله ويهدي غيره بأمر الله التكويني ـ كما عرفت ـ.
    قال تعالى: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس: 35) حيث قوبل في الآية بين قوله (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) وقوله (َمَّنْ لا يَهِدِّي) وأصله يهتدي، أي من لا يهتدي إلّا أن يُهدى، مع أنّ الهداية إلى الحقّ يقابلها عدم الهداية إليه، وعدم الاهتداء إلى الحقّ يقابله الاهتداء إليه. ولازم المقابلة المذكورة في الآية هو الملازمة بين الاهتداء بالغير وعدم الهداية إلى الحقّ، وكذا الملازمة بين الهداية إلى الحقّ والاهتداء

    صفحة 376
    بالذات، بمعنى أنّ الذي يهدي إلى الحقّ يجب أن يكون مهتدياً بنفسه لا بهداية غيره، والذي يهتدي بغيره ـ أي الذي يصل المطلوب بواسطة الغير ـ لا يمكن أن يكون هادياً إلى الحقّ بهذا، أي واسطة في الفيض.
    وبهذا يتّضح أنّ المراد بالهداية إلى الحقّ ما هو بمعنى الإيصال إلى المطلوب دون ما هو بمعنى إراءة الطريق المنتهي إلى الحقّ. وذلك لأنّ الهداية ـ بمعنى إراءة الطريق ـ يتأتّى من كل أحد ـ سواء اهتدى إلى الحقّ بنفسه أو بغيره أم لم يهتد أصلاً.

فهرس الكتاب