البحث الثاني: أقسام الحمد
الحمد ليس هو عبارة عن قول القائل «الحمد لله» فقط، بل هو عبارة عن إظهار كمال المحمود وإبانة اتّصافه بنعوت الجمال والجلال، وهو قوليّ وفعليّ وحاليّ.- أمّا القولي: فحمد اللِّسان وثناؤه على الله تعالى بما أثنى به على نفسه المتعالية على لسان أنبيائه وتراجمة وحيه عليهم السلام. ولعلّ هذا هو المصداق الأوضح للحمد كما تقدّمت الإشارة إليه في النصوص المتقدِّمة، ومنها: «عن المفضّل قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: جعلت فداك: علّمني دعاءً جامعاً. فقال لي: احمد الله فإنّه لا يبقى أحد يصلّي إلاّ دعا لك يقول:
صفحة 245
سمع الله لمن حمده» (1).- وأمّا الفعلي: فهو الإتيان بالأعمال البدنيّة من العبادات والخيرات، ابتغاءً لوجه الله تعالى، وتوجّهاً إلى جنابه الكريم، لأنّ الحمد كما يجب على الإنسان باللسان، كذلك يجب عليه بحسب كلّ عضو، بل على كلّ عضو كالشكر، وعند كلّ حال من الأحوال، كما قال صلّى الله عليه وآله: «الحمد لله على كلّ حال» (2).
وهذا ما نصّت عليه روايات كثيرة منها: ما ورد عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ـ في حديث طويل ـ قال: «إنّ الله فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها، فليس من جوارحه جارحة إلاّ وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أُختها...» (3).
- وأمّا الحاليّ: فهو الذي يكون بحسب الجوانح من الروح والقلب، بالاتّصاف بالكمالات العلميّة والعمليّة، والتخلّق بالأخلاق الإلهيّة، لأنّ الناس مأمورون بالتخلّق بلسان الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ لتصير الكمالات مَلَكة نفوسهم وذواتهم.
وقيل: إنّ للحمد أقساماً بحسب الموارد، فحمد اللسان هو اللفظ، وحمد القلب هو التوحيد، وحمد الجوارح عدم العصيان، وهكذا.