Rss Feed

  1. البحث السادس: الفرق بين الحمد والمدح والشكر
    تتضمّن هذه المفردات الثلاث (الحمد، المدح، الشكر) معنى الثناء وتختلف فيما بينها ببعض الخصوصيّات:
    - فالمدح: هو الثناء على كلّ شيء حسن في هذا الوجود، سواء كان صفة ثابتة في الإنسان أو غيره، وسواء كان فعلاً اختياريّاً إراديّاً أو غير إراديّ، فكلّ
    ــــــــــ
    (1) شرح فصوص الحكم، مصدر سابق: ج1 ص175.

    صفحة 250
    شيء اتّصف بالحسن يكون مورداً للثناء والمدح. فاللؤلؤة الجيّدة والبيت الجيّد وصفات الإنسان الجيّدة وأفعاله الإراديّة وغير الإراديّة كلّها تكون موضعاً للثناء والمدح، ولم ترد هذه المفردة في القرآن الكريم.
    من هنا فرّقوا بين الحمد والمدح بأمور:
    أحدها: أنّ الحمد يختصّ بالثناء على الفعل الاختياري لذوي العلم، والمدح يكون في الاختياري وغيره ولذوي العلم وغيرهم كما يقال: مدحت اللؤلؤة على صفائها.
    ثانيها: أنّ في الحمد من التعظيم والفخامة ما ليس في المدح، وهو أخصّ بالعقلاء والعظماء وأكثر إطلاقاً على الله تعالى.
    ثالثها: أنّ الحمد إخبار عن محاسن الغير مع المحبّة والإجلال، والمدح إخبار عن المحاسن، ولذا كان الحمد إخباراً يتضمّن إنشاءً، والمدح خبراً محضاً.
    - أمّا الشكر، فهو أخصّ من الحمد؛ إذ هو على النعمة الواصلة إلى الشاكر خاصّة إمّا باللسان أو بالقلب أو بالجوارح.
    ولتحقّق حالة الشكر لابدّ من توافر عناصر ثلاثة:
    الأوّل: عنصر المدح والثناء؛ إذ لابدّ من افتراض حسن العمل الذي يُراد الشكر عليه ومن ثمّ مدحه والثناء عليه، حينئذ يلتقي الشكر مع المدح في هذه الخصوصيّة ويكون مصداقاً من مصاديقه.
    الثاني: لابدّ أن يكون الشكر على أمر اختياريّ، فلا تشكر الدرّة على جمالها والوردة على شذاها ولا معطي الزكاة أو الخمس مكرهاً على إعطائه، لأنّ هذه الأمور وإن كانت حسنة إلاّ أنّ عنصر الاختيار فيها مفقود، فلا يصحّ شكره وإن صحّ مدحه، فالشكر إذن ثناء متعلّقه هو الفعل الحسن الاختياري.

    صفحة 251
    الثالث: أن يكون الشكر انعكاساً وانفعالاً ـ إن صحّ التعبير ـ عن الفعل الحسن فهو مدح مع وجود اليد وردّ الجميل وعرفان له، ولا نقصد بحالة الإنعام هنا الإنعام بمعناه الشخصي والضيّق، بل المقصود به المعنى الأعمّ الذي يشمل حتّى حالات الإنعام التي تنسب إلى الشخص ولو بشكل غير مباشر، من قبيل الإنعام على عشيرته أو أسرته أو أصدقائه أو مجتمعه.
    وحينئذ لا يثبت مفهوم الشكر في حالة المبادرة والابتداء بالمدح حتّى لو كان ذلك الفعل حسناً أو اختياريّاً. وأمّا الحمد فهو وإن شابه المدح والشكر من حيث كونه مصداقاً من مصاديق الثناء (اللَّهُمَّ إنّي أفتتحُ الثناء بحمدك) إلاّ أنّه يكفي فيه أن يكون متعلّقه فعلاً حسناً اختياريّاً ولا تشترط فيه مسألة عرفان الجميل، إذ يمكن أن يكون الحمد ابتداءً.
    وما ورد من تفسير الحمد بالشكر في بعض الروايات كما في حديث الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) قال: «الشكر لله» (1).
    فالظاهر أنّ المراد من الشكر فيه الشكر باللسان فقط، وهو على قسمين:
    - إظهار النعمة الواصلة إلى الشاكر باللسان.
    - مطلق الثناء على المُنعم لأجل كونه منعماً على الشاكر وأداءً لحقّه في الإنعام.
    ولمّا كانت سورة الحمد تعليماً للعباد في مخاطبتهم ومكالمتهم مع الله سبحانه على ما يظهر من جملة من الأخبار وتوافقه الآيات في هذه السورة، وكان على العبد المستغرق في نِعَم الله سبحانه أن يقصد أداء حقّ النعمة وإن عجز عن إكماله على ما يستحقّه، صار الحمد شكراً لاندراجه تحت عنوانه.
    ــــــــــ
    (1) البرهان في تفسير القرآن، تأليف: العلاّمة المحدّث السيّد هاشم البحراني، منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الأُولى 1419هـ: الحديث 3، ج1 ص110.

    صفحة 252
    ويؤيّد ذلك ما رواه في «الكافي» عن صفوان الجمّال عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: قال لي: «ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال: الحمد لله، إلاّ أدّى شكرها» (1).
    والخلاصة: إنّ الحمد والمدح والشكر متقاربة المعنى، والفرق بين الحمد والشكر أنّ الحمد نقيض الذمّ كما أنّ المدح نقيض الهجاء، والشكر نقيض الكفران، والحمد قد يكون من غير نعمة، والشكر يختصّ بالنعمة، إلاّ أنّ الحمد يوضع موضع الشكر، ويُقال: الحمد لله شكراً، فينصب (شكراً) على المصدر، ولو لم يكن الحمد في معنى الشكر لما نصبه. فإذا كان الحمد يقع موقع الشكر، فالشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم، ويكون بالقلب وهو الأصل ويكون أيضاً باللسان، وإنّما يجب باللسان لنفي تهمة الجحود والكفران، وأمّا المدح فهو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح مع القصد إليه.

فهرس الكتاب