Rss Feed

  1. الثانية: سبب الحصر في الآية
    لا ريب أنّ «إيّاك» في كلا الموردين مفعول قدّم على الفعل لإفادة الحصر، وقد أطلَق عليه تعالى في القرآن بضمير الغيبة وضمير المتكلّم مع إفادتهما الحصر أيضاً؛ قال تعالى: (أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) (يوسف: 40)، وقال: (إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (العنكبوت: 56).
    وهذا الحصر يمكن أن يكون لنكات عديدة منها:
    - تنبيه العابد من أوّل الأمر على أنّ المعبود هو الله تعالى، فلا يلتفت يميناً وشمالاً، ولا يتكاسل في الطاعات ولا يثقل عليه تحمّل العبادات، فإنّه إذا ذكر قوله: «إيّاك» يحضر في قلبه معرفة الربّ تعالى، وعندها يقوى على حمل ثقل العبوديّة.
    - وتقديم ما هو مقدّم في الوجود، فإنّه تعالى متقدّم في الوجود والشرف على الممكن، وكان ينبغي أن يكون ذكره متقدّماً على ذكر غيره، ليوافق الذكر والخطاب ما هو الواقع الخارجي.
    - والإشارة إلى حال العارف، وأنّه ينبغي أن يكون نظره إلى المعبود أوّلاً وبالذات، وإلى العبادة من حيث إنّها وصلة إليه، فيبقى مستغرقاً في مشاهدة أنوار جلاله، مستقرّاً في فردوس أنوار جماله، وكم من فرق بين قوله تعالى لهذه الأمّة:

    صفحة 323
    (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة: 152)، وبين قوله لبني إسرائيل: (اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) (البقرة: 40).

فهرس الكتاب