البحث الثاني: فضل تلاوة البسملة وبعض الآثار المترتّبة على ذلك
استفاضت النصوص الروائيّة الواردة من طرق الفريقين، التي تحدّثت عن عظمة هذه الآية وفضل تلاوتها والآثار المترتّبة عليها، نشير إلى بعضها:- عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: «لا يردّ دعاء أوّله (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فإنّ أُمّتي يأتون يوم القيامة وهم يقولون: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فتثقل حسناتهم في الميزان، فتقول الأُمم: ما أرجح موازين أُمّة محمّد صلّى الله عليه وآله، فيقول الأنبياء: إنّ ابتداء كلامهم ثلاثة أسماء من أسماء
ــــــــــ
(1) الدرّ المنثور، مصدر سابق: ج1 ص21.
(2) المصدر السابق: ج1 ص22.
(3) التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، مصدر سابق: ج1 ص168.
صفحة 191
الله تعالى، لو وضعت في كفّة الميزان ووضعت سيّئات الخلق في كفّة أُخرى لرجحت حسناتهم» (1).- روى الصدوق في العلل والكليني في الكافي بأسانيد معتبرة عن جماعة من أجلاّء أصحابنا عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في ذكر صلاة المعراج بطوله: «ثمّ إنّ الله عزّ وجلّ قال: يا محمّد استقبل الحجرالأسود، وكبّرني بعدد حُجبي، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً لأنّ الحجب سبعة، وافتتح القراءة عند انقطاع الحجب، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنّة... فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح قال الله عزّ وجلّ: الآن وصلت إليَّ فسمِّ باسمي، فقال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، فمن أجل ذلك جُعل (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في أوّل السورة...» (2).
هذا الحديث مشتمل على تعبير «الوصول» حيث قال تعالى: «الآن وصلت إليَّ»، ولازم ذلك ارتفاع الحجب السبعة بافتتاحه التكبيرات السبع، وفيه إشارة إلى فناء العبد عن أوصافه، لأنّ ذكر الله الحقيقي القلبي يوجب الذهول عن كلّ شيء سواه حتّى عن ذات الذاكر، فالمصلّي إذا وصل إلى هذا المقام اندكّت ذاته وصفاته وأفعاله البشريّة بحيث ينسلخ عنها انسلاخاً كلّياً. ولأهل المعرفة بحوث قيّمة حول الوصول ورفع الحجب النوريّة كما ورد في مناجاة أمير المؤمنين والأئمّة من ولده عليهم السلام «إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنِر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة»(3).
ــــــــــ
(1) ربيع الأبرار للزمخشري، نقلاً عن البرهان في تفسير القرآن: ج1 ص104، الحديث 34.
(2) تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: كتاب الصلاة، الباب الأوّل من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 10، ج5 ص466.
(3) مفاتيح الجنان: أعمال شهر شعبان العامّة، ص158.
صفحة 192
وبه يجمع بين أحاديث ثبوت الحجب له تعالى، والروايات النافية لذلك.- وعن ابن مسعود عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: «من قرأ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كتب الله له بكلّ حرف أربعة آلاف حسنة، ومحا عنه أربعة آلاف سيّئة، ورفع له أربعة آلاف درجة» (1).
- وفي المحاسن عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «إذا توضّأ أحدكم ولم يسمّ كان للشيطان في وضوئه شرك، وإن أكل أو شرب أو لبس وكلّ شيء صنعه ينبغي له أن يسمّي عليه، فإن لم يفعل كان للشيطان فيه شرك» (2).