Rss Feed

  1. صفحة 187
    البحث الأوّل: البسملة جزء من كلّ سورة
    اتّفقت كلمة أئمّة أهل البيت عليهم السلام على أنّ البسملة آية من كلّ سورة بُدئت بها، وذهب إلى ذلك جملة من علماء المسلمين. قال في تفسير المنار: «أجمع المسلمون على أنّ البسملة من القرآن وأنّها جزء آية من سورة النمل، واختلفوا في مكانها من سائر السور، فذهب إلى أنّها آية من كلّ سورة علماء السلف من أهل مكّة فقهاؤهم وقرّاؤهم ومنهم ابن كثير، وأهل الكوفة ومنهم عاصم والكسائي من القرّاء وبعض الصحابة والتابعين من أهل المدينة والشافعي في الجديد وأتباعه والثوري وأحمد في أحد قوليه والإماميّة. ومن المرويّ عنهم من علماء الصحابة: عليّ وابن عبّاس وابن عمر وأبو هريرة، ومن علماء التابعين: سعيد بن جبير والزهري وابن المبارك» (1).
    والروايات من طرق الفريقين في هذا المعنى كثيرة، نقف عند بعضها:
    - عن الإمام العسكري عن آبائه عن عليّ عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إنّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات، تمامها: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)» (2).
    ــــــــــ
    (1) تفسير القرآن العظيم المعروف بتفسير المنار، تأليف الشيخ محمّد رشيد رضا، وهي مجموعة الدروس التي أخذها عن أستاذه الشيخ محمّد عبده، تعليق وتصحيح: سمير مصطفى رباب، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى: 1423هـ: ج1 ص39.
    (2) تفسير الإمام العسكري: ص10، نقلاً عن تفسير كنز الدقائق للمفسّر الكبير والمحقّق النحرير العالم العارف الميرزا محمّد المشهدي (المتوفّى 1125هـ) ، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407هـ: ج1 ص27.


    صفحة 188
    - وفي عيون الأخبار: «قيل لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام: أخبرنا عن (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أهي آية من فاتحة الكتاب؟ قال: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤها ويعدّها منها ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني» (1).
    - وفي تهذيب الأحكام عن محمّد بن مسلم، قال: «سألت الصادق
    عليه السلام عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال: نعم، قلت: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) من السبع المثاني؟ قال: نعم هي أفضلهنّ» (2).
    - وأخرج ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح عن ابن عبّاس، قال: «السبع المثاني فاتحة الكتاب. قيل: فأين السابعة؟ قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)» (3).
    - وأخرج الثعلبي عن أبي هريرة قال: «كنت مع النبيّ صلى الله عليه (وآله) وسلّم في المسجد إذ دخل رجلٌ يصلّي فافتتح الصلاة وتعوّذ ثمّ قال: «الحمد لله ربّ العالمين» فسمع النبيّ صلى الله عليه (وآله) وسلّم فقال: يا رجل قطعت على نفسك الصلاة، أما علمت أنّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) من الحمد، فمن تركها فقد ترك آية، ومن ترك آية فقد أفسد عليه صلاته» (4).
    ــــــــــ
    (1) عيون أخبار الرضا، باب 28 في ما جاء عن الإمام علي بن موسى عليهما السلام من الأخبار المتفرّقة: ج1 ص270 ح59.
    (2) تهذيب الأحكام (في شرح المقنعة للشيخ المفيد)، تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي: الحديث 1157، الباب 15 كيفيّة الصلاة وصفتها، ج2 ص289.
    (3) رواه البيهقي في الشعب: ج2 ص435، والحاكم: ج2 ص257، نقلاً عن الإتقان في علوم القرآن، مصدر سابق: ج2 ص267، حقّقه وعلّق عليه وخرّج أحاديثه: فواز أحمد زمرلي، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية 1421هـ : ج2 ص267.
    (4) الدرّ المنثور، مصدر سابق: ج1 ص21.


    صفحة 189
    - وأخرج عن طلحة بن عبيد الله قال: «قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلّم: من ترك (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فقد ترك آية من كتاب الله» (1).
    وأخرج ابن خزيمة في «المعرفة» بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: «استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)» (2).
    وكيفما كان فالظاهر أنّ سيرة المسلمين كانت مستقرّة على قراءة البسملة في أوائل السور غير سورة براءة، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقرؤها.
    - أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن خُزيمة والحاكم والدارقطني وغيرهم عن أُمّ سلمة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (3).
    ومن الواضح أنّه لو لم تكن البسملة آية من القرآن للزم على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أن يصرّح بذلك، فإنّ قراءته ـ وهو في مقام البيان ـ ظاهرة في أنّ جميع ما يقرأ قرآن، ولو لم يكن بعض ما يقرأ قرآناً ثمّ لم يصرّح بذلك لكان ذلك منه إغراءً بالجهل وهو قبيح، وفي ما يرجع إلى الوحي الإلهي أشدّ قبحاً. ولو صرّح الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بذلك لنقل إلينا بالتواتر
    ــــــــــ
    (1) رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار برقم (721): ج1 ص521 نقلاً عن الإتقان في علوم القرآن، مصدر سابق: ج1 ص265.
    (2) رواه أبو داود (4001)، والترمذي (2923)، وفي الشمائل (316) وأحمد: ج6 ص302، والدارقطني: ج1 ص307 ـ ص313، والطحاوي: ج1 ص117، والحاكم: ج2 ص231 ـ 232، والبيهقي: ج2 ص44، ورجاله ثقات إلاّ أنّ الترمذي أعلّه بالمخالفة، نقلاً عن الإتقان في علوم القرآن: ج1 ص236.
    (3) رواه أبو داود (4001)، والترمذي (2923)، وفي الشمائل (316) وأحمد: ج6 ص302، والدارقطني: ج1 ص307 ـ ص313، والطحاوي: ج1 ص117، والحاكم: ج2 ص231 ـ 232، والبيهقي: ج2 ص44، ورجاله ثقات إلاّ أنّ الترمذي أعلّه بالمخالفة، نقلاً عن الإتقان في علوم القرآن: ج1 ص236.



    صفحة 190
    مع أنّه لم ينقل حتّى بالآحاد. بل ثبت من طرق الفريقين أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يجهر بالبسملة في صلاته:
    - أخرج البزاز والدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي الطفيل قال: «سمعت عليّ بن أبي طالب وعمّار يقولان: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يجهر في المكتوبات بـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في فاتحة الكتاب» (1).
    - روى البيهقي في السنن الكبير عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يجهر في الصلاة بـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)» (2).
    قال الفخر الرازي في ذيل هذه الروايات: «ثمّ إنّ الشيخ البيهقي روى الجهر عن عمر بن الخطّاب وابن عبّاس وابن عمر وابن الزبير، وأمّا أنّ علي بن أبي طالب كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر. ومن اقتدى في دينه بعليّ بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قوله عليه السلام: اللَّهُمَّ أدر الحقّ مع عليّ حيث دار» (3).

فهرس الكتاب