Rss Feed

  1. الربّ لغة
    تختزن اللغة ـ عادةً ـ الإيماءات الأُولى لمعاني المفردات التي قد تكتسب في التداول الاصطلاحي معاني جديدة، وربّما بقيت محافظة على معانيها اللغويّة، ولكن مع اختلاف المصاديق التي تنطبق عليها. هذه القاعدة تنطبق بحذافيرها على الجذر اللغوي لمصطلح الربوبيّة أيضاً المتمثّل بـ «ربّ».
    قال ابن فارس: «ربّ: الراء والباء يدلّ على أصول:
    فالأوّل: إصلاح الشيء والقيام عليه، فالربّ: المالك والخالق والصاحب، والربّ المصلح للشيء، يقال: ربَّ فلانٌ ضيعتَه إذا قام على إصلاحها. والربّ: المصلح للشيء، والله جلَّ ثناؤه الربّ، لأنّه مصلح أحوال خلقه.
    والأصل الآخر: لزوم الشيء والإقامة عليه، وهو مناسب للأصل الأوّل، يقال: أرَّبت السحابة بهذه البلدة إذا دامت، وأرض مَرَبٌّ لا يزال بها مطر، ولذلك سُمّي السحاب رباباً.
    والأصل الثالث: ضمّ الشيء للشيء، وهو أيضاً مناسب لما قبله.
    ومتى أنعم النظر كان الباب كلّه قياساً واحداً» (1).
    ــــــــــ
    (1) معجم مقاييس اللغة: مادّة «رب»، ج2 ص381.

    صفحة 263
    وقال الجوهري: «ربُّ كلّ شيء: مالكه، والربّ: اسم من أسماء الله عزّ وجلّ ولا يقال في غيره إلاّ بالإضافة، وقد قالوه في الجاهليّة للمَلِك. والربّاني: المُتألِّه العارف بالله تعالى. وقال سبحانه: (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ). ورببتُ القوم: سُسْتُهم أي كنت فوقهم، ومنه قول صفوان: «لأن يُربّني رجل من قريش أحبُّ إليّ من أن يُربَّني رجل من هوازن» ورَبَّ الضيعة أي أصلحها وأتمّها» (1).
    وجاء في «لسان العرب»: «الربّ: يُطلق في اللغة على المالك، والسيّد والمدبّر والقيّم والمُنعم» (2).
    وفي «المفردات»: «الربّ: في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام. فالربّ: مصدر مستعار للفاعل، ولا يقال الربّ مطلقاً إلاّ لله تعالى المتكفّل بمصلحة الموجودات» (3).
    والمستفاد من هذه الكلمات أمران:
    الأوّل: أنّ الأصل في هذه المادّة هو سوق شيء إلى جهة الكمال ورفع النقائص بالتخلية والتحلية، سواء كان من جهة الكمالات الأوّليّة أو الثانويّة، وسواء كان في الأُمور المادّية أو المعنويّة ـ الأعمّ من الاعتقادات والمعارف والصفات والأخلاقيّات أو الأعمال والآداب ـ في إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد، ففي كلّ شيء بحسبه وبما يقتضيه رفع حاجته وتكميل درجته.
    وبهذا يتّضح أنّ إطلاقه على غير ذلك كالخالق والسيّد والملِك والمنعم والمعبود والصاحب والقيّم والسائس، فهو باعتبار أنّها من لوازم آثار الربوبيّة،
    ــــــــــ
    (1) الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربيّة: مادّة «ربب»، ج1 ص130.
    (2) لسان العرب، ابن منظور: مادّة «ربب»، ج5 ص95.
    (3) المفردات في غريب القرآن: مادّة «ربّ»، ص184.


    صفحة 264
    حيث تستلزم في كلّ مورد ما يقتضيه بحسب حاجته.
    وبعبارة جامعة: التربية هي إصلاح الشيء مطلقاً بإعطائه ما يحتاج إليه ودفع ما يضارّه وينافيه .
    الثاني: لا يستخدم مصطلح «الربّ» مطلقاً من غير إضافة إلاّ للدلالة على الله سبحانه، كما في قوله تعالى: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (سبأ: 15)، وإذا أطلقت على غيره أُضيفت فيُقال: ربّ الدار، وربّ الناقة، وكذلك في قوله: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) (يوسف: 42) وذلك لدفع توهّم العموم المستفاد من حذف المتعلّق، لأنّ حذف ما يضاف إليه ـ حيث لا عهد بأقسامه ـ يفيد العموم، وهو منحصر فيه تعالى دون غيره جلّ وعلا.

فهرس الكتاب