Rss Feed

  1. الثالثة: بحث عقليّ في إثبات توحيد الربوبيّة
    يقوم أساس هذا الدليل العقلي على أنّ الربوبيّة والتدبير ـ حقيقةً ـ يعودان إلى الخالقيّة، وأنّ الخالقيّة تعني الربوبيّة والتدبير.
    توضيح ذلك: مرّ أنّ ربوبيّة العالم وتدبيره يعنيان نظم العالم نظماً متقناً يؤدّي إلى إيصاله لكماله المطلوب وتحقّق الغرض المنشود والغاية المترتّبة من وجوده. والسؤال: هل توجد روابط بين أجزاء هذا العالم؟ والجواب واضح

    صفحة 273
    جليّ يلمسه الإنسان بالوجدان، فالإنسان العادي يدرك أنّه لولا الماء لما استطاع أن يعيش، ولولا الغذاء لما دامت له الحياة، ولولا الجاذبيّة لما استطاع أن يستقرّ، وهكذا إلى ملايين الروابط الجليّة والخفيّة.
    ولازم ذلك أنّ التدبير مآله إلى إيجاد هذه العلائق والارتباطات بين أشياء الوجود ومكوّناته على نحو خاصّ لبلوغ غاية معيّنة. وحين يكون هذا هو معنى التدبير، فكأنّك قلت: إنّ الله خلق الأشياء وروابطها بعضها مع بعض، وإنّما هو التحليل العقلي الذي يقود إلى التجزئة لأغراض تمليها المعرفة لأغراض الدراسة والبحث.
    ببيان آخر: إنّنا على مستوى الوجود الخارجي وبالحمل الشائع لسنا بإزاء وجودين وحقيقتين خارجيّتين هما: الأشياء وروابطها، بل هما شيء واحد وجوداً. نعم، على مستوى المفهوم أي بالحمل الأوّلي، فإنّ مفهوم الخالقيّة يختلف عن مفهوم الربوبيّة والتدبير ـ كما هو واضح .
    في ضوء هذا التحليل: لو أخذنا الإنسان مثالاً فهو مخلوق على نحو مضطرّ فيه إلى هذه العلائق بينه وبين الأشياء للوصول إلى كماله اللائق به، كما هو الحال في علاقته مع الهواء والماء والغذاء والضياء، بحيث لو فصلناه عن هذه الارتباطات لانتهى وجوده. وبهذا يتبيّن أنّ هذه الارتباطات أخذت في نحو وجود هذا الموجود، لا أنّ هذا الموجود شيء والارتباطات شيء آخر وراء وجوده.
    حين تكون هذه المقدّمات واضحة، ستكون المعادلة كما يلي:
    الربوبيّة أو لا التدبير هو إيجاد الارتباط بين الأشياء، والارتباط مرجعه إلى نحو الوجود، ونحو الوجود أوجده الخالق، وحيث إنّ الخالق واحد، فالربّ والمدبّر واحد أيضاً، وهو المطلوب.

فهرس الكتاب