4: الصراط المستقيم مهيمن على جميع السبل الهادية إليه تعالى
بمعنى أنّ السبيل إلى الله إنّما يكون سبيلاً له موصلاً إليه بمقدار ما يتضمّنه من الصراط المستقيم حقيقة، بخلاف نفس الصراط المستقيم فإنّه يكون هادياً موصلاً إليه مطلقاً من غير قيد أو شرط؛ ولذلك سّماه الله تعالىصفحة 371
صراطاً مستقيماً، فإنّ الصراط هو الواضح من الطريق، والمستقيم هنا هو الذي يريد أن يقوم على ساق فيتسلّط على نفسه وما لنفسه، كالقائم الذي هو مسلّط على أمره، ويرجع المعنى إلى أنّه هو الذي لا يتغيّر أمره ولا يختلف شأنه. فالصراط المستقيم ما لا يتخلّف حكمه في هدايته وإيصاله سالكيه إلى غايتهم ومقصدهم.ببيان آخر: إنّ الصراط المستقيم هو الصراط السويّ الذي لا تخلّف فيه ولا اختلاف، فلا بعض أجزائه ـ الذي هو الدِّين الإلهي ـ بما فيه من المعارف والشرائع يناقض البعض الآخر، لما أنّ الجميع يمثِّل التوحيد الخالص الذي ليس إلاّ حقيقة ثابتة واحدة، ولما أنّ كلّها مبنيّة على الفطرة الإلهيّة التي لا تخطئ في حكمها ولا تتبدّل في نفسها ولا في مقتضياتها. ولا بعض الراكبين عليه السائرين فيه يخالفون بعضاً آخر، فالذي يدعو إليه نبيّ من أنبياء الله هو الذي يدعو إليه جميعهم، والذي يندب إليه خاتمهم وآخرهم هو الذي يندب إليه آدمهم وأوّلهم من غير أيّ فرق إلاّ من حيث الإجمال والتفصيل.