Rss Feed

  1. 2. استعمالات الاسم 
    يستعمل الاسم في كلمات الأعلام باستعمالات متعددة:
    الأوّل: الوجود اللفظي للأشياء
    وهو عبارة عن اللفظ الحاكي عن واقع خارجيّ بواسطة جعله للمفهوم الحاكي عن الخارج، وفلسفة مثل هذا الجعل هي تسهيل عمليّة التفاهم المتعذّرة أو المتعسّرة من خلال الواقع الخارجي مباشرةً.

    صفحة 194
    توضيحاً لهذه الحقيقة نقول: إنّ للأشياء وجوداً في الأعيان ووجوداً في اللسان ووجوداً في الأذهان، أمّا الوجود في الأعيان فهو الوجود الأصلي الحقيقي، والوجود في الأذهان هو الوجود العلمي الصوري، والوجود في اللسان هو الوجود اللفظي. فإنّ السماء مثلاً لها وجود في عينها ونفسها ثمّ لها وجود في أذهاننا ونفوسنا لأنّ صورة السماء تنطبع في أبصارنا ثمّ في خيالنا، حتّى لو عدمت السماء مثلاً وبقينا لكانت صورة السماء حاضرة في خيالنا، وهذه الصورة هي التي يعبَّر عنها بالعلم وهو مثال المعلوم، فإنّه محاكٍ للمعلوم وموازٍ له، وهي كالصورة المنطبعة في المرآة فإنّها محاكية للصورة الخارجة المقابلة لها.
    وأمّا الموجود في اللسان فهو اللفظ المركّب من أصوات قطّعت ثلاث تقطيعات؛ يعبّر عن القطعة الأولى بالسين وعن الثانية بالميم وعن الثالثة بالألف، وهي كقولنا: سماء، فالقول دليل على ما في الذهن، وما في الذهن صورة لما في الوجود مطابقة له. فإذن: اللفظ والعلم والمعلوم ثلاثة أمور متباينة لكنّها متطابقة متوازية، وربما تلتبس ولم يتميّز بعضها عن بعض.
    وكيف لا تكون هذه الموجودات متمايزة، ويلحق كلّ واحد منها خواصّ لا تلحق الأخرى، فإنّ الإنسان مثلاً من حيث إنّه موجود في الأعيان يلحقه أنّه نائم ويقظان وحيّ وميّت وقائم وماشٍ وقاعد وغير ذلك، ومن حيث إنّه موجود في الأذهان يلحقه أنّه مبتدأ وخبر وعامّ وخاصّ وكلّي وجزئيّ وقضيّة وغير ذلك، ومن حيث إنّه موجود في اللسان يلحقه أنّه عربيّ وعجميّ وتركيّ وكثير الحروف وقليلها وأنّه اسم وفعل وحرف وغير ذلك، وهذا الوجود ممّا يجوز أن يختلف بالأعصار ويتفاوت في عادة الأمصار، فأمّا الوجود الذي في الأعيان والأذهان لا يختلف بالأعصار والأمم البتّة.
    وإذا عرفت أنّ الاسم إنّما يُعنى به اللفظ الموضوع للدلالة، فاعلم أنّ كلّ

    صفحة 195
    موضوع للدلالة فله واضع ووضع وموضوع له، يُقال للموضوع له مسمّى وهو المدلول عليه من حيث إنّه مدلول عليه، ويقال للواضع المسمّي، ويقال للوضع التسمية.
    والاسم بهذا الإطلاق هو الشائع في النصوص الروائيّة. ومن أهمّ النتائج المترتّبة على هذا أنّ الاسم غير المسمّى، وهذا ما صرّحت به روايات كثيرة، منها:
    - عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن أسماء الله عزّ وجلّ واشتقاقها، فقال عليه السلام: «... والاسم غير المسمّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام ؟
    قال: قلت: زدني .
    قال: لله تسعة وتسعون إسماً، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلهاً، ولكن الله معنىً يُدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره. يا هشام الخبز اسم للمأكول، والماء اسم للمشروب، والثوب اسم للملبوس، والنار اسم للمحرق...» (1).
    - وعن ابن رئاب عن غير واحد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «من عبد الله بالتوهّم فقد كفر، ومن عَبدَ الاسم دون المعنى فقد كفر، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سرائره وعلانيته، فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام حقّاً» (2).
    ــــــــــ
    (1) الأصول من الكافي: كتاب التوحيد، باب معاني الأسماء واشتقاقها، الحديث2 ج1 ص114.
    (2) المصدر نفسه، باب المعبود، الحديث 1، ج1 ص87.


    صفحة 196
    - وعن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: «كتبت إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام أو قلت له: جعلني الله فداك، نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟
    قال فقال: إنّ من عَبدَ الاسم دون المسمّى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً، بل اعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمّى بهذه الأسماء دون الأسماء، إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه» (1).
    في البدء لابدّ من الإشارة إلى أنّ المراد من «المعنى» في هذه النصوص، هو المصداق والمحكي الخارجي، لا المفهوم الذهني في قِبال اللفظ، بقرينة قوله عليه السلام: «ومن عَبدَ المعنى بإيقاع الأسماء عليه...» فإنّ عبادة المفهوم الذهني ليس توحيداً كما لا يخفى.
    إذا اتّضح ذلك نقول: إنّ المقصود الأصلي لهذه النصوص بيان أنّه لا ينبغي أن يكون المعبود هو الاسم فقط أي الألفاظ لأنّ ذلك كفر لأنّ الاسم محدث كما قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «ومن زعم أنّه يعرف الله بالاسم دون المعنى فقد أقرّ بالطعن، لأنّ الاسم محدث» (2)، وكذلك لا يصحّ جعل المعبود مجموع الاسم والمعنى أي المسمّى المحكي بهذه الأسماء، لأنّه يلزم منه الشرك وأن يكون مع الله غيره، وإنّما ينبغي أن يعبد المسمّى أي الذات الإلهيّة، لذا قال عليه السلام: «ولكن الله معنى يُدلّ عليه بهذه الأسماء».
    ثمّ صار عليه السلام بصدد إقامة الدليل على عدم جواز ذلك من خلال إثبات المغايرة بين الاسم والمسمّى، حيث قال: «إنّ لله تسعة وتسعين اسماً، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلهاً» وهو قياس استثنائيّ
    ــــــــــ
    (1) المصدر السابق: الحديث 3، ج1 ص87 .
    (2) تحف العقول عن آل الرسول، الشيخ الثقة ابن شعبة الحرّاني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم: ص326.


    صفحة 197
    مفاده: إنّ لله تعالى أسماء متعدّدة، فلو كان الاسم عين المسمّى لزم تعدّد الآلهة، لبداهة مغايرة تلك الأسماء بعضها لبعض. والتالي باطل؛ لأنّ واجب الوجود واحد لا شريك له، فالمقدّم مثله.
    وهذا ما صرّح به نصّ آخر عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله الصادق
    عليه السلام قال: «اسم الله غير الله» ثمّ قال: «والله يسمّى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره» (1).
    ثمّ قرّب الإمام عليه السلام هذه الحقيقة ـ أي مغايرة الاسم اللفظي للمسمّى الخارجي ـ من خلال بعض الأمثلة التي أشار إليها، فقال: «يا هشام الخبز اسم للمأكول...».
    أي أنّ الخبز اسم لهذا الشيء الذي يؤكل خارجاً، والمشروب اسم لهذا الشيء الذي يُشرب، والملبوس اسم للذي يلبس خارجاً، وهكذا النار اسم لما يحرق خارجاً. فإذا نظرنا إلى هذه الأسماء أو المفاهيم المحكية لها وجدنا أنّها غير محكوم عليها بأحكامها التي لها في الواقع الخارجي، فإنّ اسم المأكول أو مفهومه غير مأكول، وإنّما المأكول هو الخبز الخارجي الذي يحكيه هذا الاسم، وكذا الباقي. وهذا معنى قولهم إنّ اسم الخبز أو مفهومه ليس خبزاً بالحمل الشائع وإن كان كذلك بالحمل الأوّلي.
    والحاصل: إنّ عبادة الاسم اللفظي أو المفهوم المحكي له فقط كفر، وعبادة المفهوم والمصداق معاً شرك، وعبادة المصداق بإشارة المفهوم توحيد وحقّ.

فهرس الكتاب