Rss Feed

  1. حقيقة الاسم الأعظم
    لكي نقف على حقيقة الاسم الأعظم ـ بحسب الاصطلاح العرفاني ـ لابدّ من البحث في أمرين:
    الأمر الأوّل: تعدّد الأسماء الإلهيّة
    حينما نطالع القرآن والسنّة نجد أنّها لم تقتصر على اسم واحد، بل صرّحت بتعدّد الأسماء الإلهيّة؛ قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر: 23 ـ 24). أمّا عدد هذه الأسماء فقد اختلفت الروايات الواردة في المقام؛ فبعضها
    ــــــــــ
    (1) شرح فصوص الحكم، مصدر سابق: ج1 ص175.


    صفحة 210
    العودة إلى المصادر الدينيّة الأخرى ككتب الدّعاء مثلاً التي تُولي عناية فائقة لأسماء الله الحسنى وآثار الدّعاء بها، نجد أنّ هذه المصادر تتخطّى العدد الذي ذكره القرآن الكريم وتتجاوزه على مدىً أوسع. ففي الدّعاء النبوي المشهور بدعاء «الجوشن الكبير» هناك ألف اسم من أسماء الله الحسنى، وربما قادت عمليّة البحث والتقصّي في مصادر النصّ الديني ـ خاصّة كتب الأدعية المأثورة عن النبيّ وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ـ إلى ما يزيد على هذا العدد.
    صفحة 209
    أشار إلى أنّ العدد هو تسعة وتسعون اسماً؛ عن أبي الصلت الهروي عن الإمام الرضا عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السلام، قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لله عزّ وجلّ تسعة وتسعون اسماً من دعا بها استجاب له، ومن أحصاها دخل الجنّة»(1).
    وقد روي عين هذا الحديث في صحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي أيضاً. وبعضها إلى أنّها ثلاثمائة وستّون اسماً كما في حديث الإمام الصادق عليه السلام (2). وبعضها إلى أنّها أربعة آلاف اسم كما روي عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله: «إنّ لله تعالى أربعة آلاف اسم» (3).
    ولا يخفى أنّ كلّ ذلك لا يدلّ على حصر الأسماء الإلهيّة بعدد معيّن، بل ظاهر قوله تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) (طه: 8)، وقوله: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ) (الأعراف: 180) وأمثالها من الآيات: أنّ كلّ اسم أحسن في الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد.
    وهذا ما يمكن إثباته من خلال الاتّكاء على الخلفيّة العقليّة لمثل هذه الأبحاث؛ لعدم تناهي الذات بحيثيّاتها الكماليّة وصفاتها غير المتناهية لأنّها عين الذات، فتعيّناتها وهي الأسماء غير متناهية أيضاً، وعليه فلا تتحدّد أسماؤه الحسنى بعدد.
    أمّا بيان هذه الأسماء فلم يرد في القرآن الكريم إلاّ مائة وبضعة وعشرون اسماً، بل قيل إنّ ما ذكر منها هو (127) اسماً على وجه التحديد (4). لكن عند
     ــــــــــ
    (1) التوحيد، مصدر سابق: أسماء الله تعالى والفرق بين معانيها، ص90، الحديث 9.
    (2) الأصول من الكافي: كتاب التوحيد، باب حدوث الأسماء، ج1 ص112، الحديث 1.
    (3) عوالي اللآلي، مصدر سابق: ج4 ص106.
    (4) هذا ما ذهب إليه الطباطبائي، ينظر الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق: ج8 ص357 حيث توفّر على إحصاء وضبط ما ذكره القرآن الكريم كاملاً.


فهرس الكتاب