Rss Feed

  1. صفحة 393
    (16) المفردة الأولى: «نعم» لغة واستعمالاً
    قال في «معجم مقاييس اللغة»: «نعم: فروعه كثيرة، وعندنا أنها على كثرتها راجعة إلى أصل واحد يدلّ على ترفّه وطيب عيش وصلاح. منه النِّعمة: ما يُنعِم الله تعالى على عبده من مالٍ وعيش. يقال: لله تعالى عليه نِعمة. والنِّعمة: المنّة، وكذا النعماء. والنَّعمة: التنعّم وطيب العيش. قال الله تعالى: (وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) والنَّعامى: الريح الليّنة. والنَّعَم: الإبل، لما فيه من الخير والنعمة» (1).
    وقال الراغب: «نعم: النِّعمة: الحالة الحسنة، وبناء النِّعمة بناء الحالة التي يكون عليها الإنسان كالجِلسة والرِِّكبة. والنَّعمة: التنعّم، وبناؤها بناء المرّة من الفعل كالضربة والشتمة. والنِّعمة للجنس يُقال للقليل والكثير. قال: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ) إلى غير ذلك من الآيات. والإنعام: إيصال الإحسان إلى الغير، والنعماء: بإزاء الضرّاء، والنُعمى: نقيض البؤسى. والنعيم: النعمة الكثيرة» (2).
    وعن جمع من اللغويين أنّ استعمال النعمة يختصّ بذوي العقول فلا يستعمل في غيرهم إلّا بالعناية؛ قال الراغب: «ولا يقال إلّا إذا كان الموصل إليه من جنس الناطقين، فإنه لا يقال: أنعم فلان على فرسه» (3) إلّا أنّ ذلك له وجه إن أُريد منه أنّ الغاية من خلق النعم هو الإنسان، كما في قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثية: 13) وأما لو أُريد ملاحظة الوسائط بعضها مع بعض فلا كلّية له؛ قال تعالى: (أَلَمْ تَرَى أَنَّ الْفُلْكَ
    ــــــــــ
    (1) معجم مقاييس اللغة: مادة «نعم»، ج5، ص446.
    (2) المفردات في غريب القرآن: مادة «نعم»، ص499.
    (3) المصدر نفسه.


    صفحة 394
    تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ) (لقمان: 31).
    والتحقيق أن يقال: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة يفيد طيب عيش وحسن حال، ويقابله البؤس وهو مطلق الشدّة والضيق، وقد يجعل في قبالها الضرّ، وهو الشرّ المتوجّه للشيء ويقابله النفع؛ قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) (هود: 10) فإنّ الضرّ يوجب سلب الطيب والسعة في الحال، فهو من مصاديق البؤس.
    والنَّعمة كالرحمة مصدر، وكذلك النُّعومة بمعنى الطيب كما قال تعالى: (وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) (الدخان: 26 ـ 27) يراد الذين كانوا في طيب عيش وسعة في حياتهم.
    والنِّعمة كالجِلسة للنوع، وتدلّ على نوع خاصّ من التنعّم، ومصاديقها كثيرة؛ قال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) (آل عمران: 103) وقال: (لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ) (القلم: 49).
    وجمع النِّعمة: النِّعم والأنعُم؛ قال تعالى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان: 20) وقال: (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ) (النحل: 112) فالنِّعم: جمع كثرة، ويستعمل في الأفراد الكثيرة كما في الآية الأولى، فإن المراد إسباغ مجموع النّعم، والأنعُم: جمع قلّة ويستعمل في القلّة وفي ما دون العشرة غالباً، كما في الآية الثانية.
    والنَّعماء: اسم محدود كالصحراء، ويدلّ على النِّعمة الممتدّة؛ قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) (هود: 10) ولا يناسب جعله جمعاً ولا مصدراً ولا صفة كما لا يخفى.
    و«النعيم» على وزن فعيل، يدلّ على صفة ثابتة، فيراد به ما يثبت فيه طيب

    صفحة 395
    عيش وحسن حال من حيث هو، وهذا بخلاف النِّعمة والنَّعمة فيلاحظ فيها جهة الصدور من الفاعل؛ قال تعالى: (وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة: 65) وقال: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) (الطور: 17) وقال: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ) (التكاثر: 8) فيلاحظ في هذه الآيات الموضوع المتّصف بالنعمة من دون نظر إلى أيّ جهة أخرى.
    والناعم كالنعيم صفة، إلّا أنَ فيه معنى الحدوث لا الثبوت، كما في قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ) (الغاشية: 8) وأمّا الإنعام فيدلّ على جهة الصدور من الفاعل ولا يلاحظ فيه جهة الوقوع كما في قوله: (أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) (الأحزاب: 37) وقال: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ) (الأنفال: 53)، بخلاف التنعيم فيلاحظ فيه جهة الوقوع والتعلّق بالمفعول، كما في قوله: (فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ) (الفجر: 15).

فهرس الكتاب