Rss Feed

  1. الثاني: أنّه تعالى ربّ العالمين
    من أهمّ النتائج المترتّبة على التوحيد الأفعالي عامّة والتوحيد الربوبي خاصّة: التوحيدُ العبادي، وأنّه لا معبود سواه، فإنّه هو الثمرة الطبيعيّة لمسار

    صفحة 316
    التوحيد في الخالقيّة والربوبيّة. فما لم يكن الإنسان موحِّداً في الخالقيّة والربوبيّة لا يمكن أن يكون موحِّداً في العبوديّة والطاعة لربّه. ولو أشرك في الخالقيّة والربوبيّة فلا ريب أنّه سيكون مشركاً في العبادة والعبوديّة، وإذا صار موحِّداً فيهما حصر عبادته بالله وتحرّك في الطاعة والعبادة له دون ما سواه.
    وهذا ما أكّدته نصوص قرآنيّة عديدة؛ قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 162 ـ 163) حيث رتّبت العبادة على الربوبيّة وربطت بينهما على نحو وثيق، فالعبادة لابدّ وأن تكون لله، والسبب لأنّ الله سبحانه هو ربّ العالمين.
    بلغة منطقية: فإنّ الحدّ الأوسط في هذا القياس الذي يربط بين المقدّمتين، ويثبت ضرورة أن تكون العبادة لله وحده، يتمثّل في أنّه سبحانه «ربّ العالمين» فالآية تنصّ: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ) لماذا؟ لأنّه سبحانه (رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
    وكذلك قوله تعالى: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً * رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم: 64ـ 65)، وكذلك ما ورد في قوله: (مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس: 3)، فقد رتّبت العبادة على الربوبيّة، فإذا ثبت أنّه ربّ (ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ) فتجب له العبادة (فَاعْبُدُوهُ).
    ممّا تقدّم يتّضح عدم تماميّة ما ذكر في كلمات جملة من المفسّرين أنّ العبادة المصطلحة هي: خضوع وتذلّل أو نهاية الخضوع والتذلّل أو نهاية الخضوع بين يدي من تدرك عظمته وكماله، وإنّما الصحيح أنّها: إظهار الخضوع أمام موجود مقروناً بالاعتقاد بألوهيّته وربوبيّته وأنّه مالك حقيقي لشأن من شؤون العابد.

فهرس الكتاب