Rss Feed

  1. الأوّل: إنّ الله تعالى هو المالك الحقيقي
    اتّضح ممّا تقدّم أنّ العبوديّة إنّما تستقيم بين العبيد ومواليهم في ما يملكه الموالي منهم، وأمّا ما لا يتعلّق به الملك من شؤون وجود العبد ككونه ابن فلان أو ذا طول في قامته، فلا يتعلّق به عبادة ولا عبوديّة، لكنّ الله سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت، فلا ملكه يشوبه ملك عمّن سواه، ولا أنّ العبد يتبعّض في نسبته إليه تعالى فيكون شيء منه مملوكاً وشيء آخر غير مملوك، ولا تصرّف من التصرّفات جائزاً وتصرّف آخر غير جائز. كما أنّ

    صفحة 315
    العبيد فيما بيننا شيء منهم مملوك وهو أفعالهم الاختياريّة وشيء غير مملوك وهو الأوصاف الاضطراريّة، وبعض التصرّفات فيهم جائز كالاستفادة من فعلهم وبعضها غير جائز كقتلهم من غير جرم مثلاً.
    على أساس هذه الحقيقة فليس في عبيده تعالى المملوكين شيء غير مملوك له تعالى، فلم ينقسموا في وجودهم إلى مملوك وغير مملوك، بل هم من حيث ذواتهم وأوصافهم وأحوالهم وأعمالهم مملوكون له تكويناً، تبع ذلك التشريع فحكم فيهم بدوام العبوديّة واستيعابها لجميع ما يرجع إليهم بوجه من الوجوه، فلا يسعهم أن يعبدوا الله من جهة بعض ما يرجع إليهم دون بعض، مثل أن يعبدوه باللسان دون اليد مثلاً، كما لا يسعهم أن يجعلوا بعض عبادتهم لله تعالى وبعضها لغيره.
    وبهذا يتميّز هذا الملك والمولويّة بحسب الحكم عن الملك والمولويّة الدائرة بين الناس، وكذا العبوديّة المقابلة له، بأنّ الله سبحانه لمّا كان مالكاً تكويناً على الإطلاق لا مالك سواه لم يجز في مرحلة العبوديّة التشريعيّة اتّخاذ مولى سواه ولا عبادة أحد غيره؛ قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء: 23).
    فهو تعالى مالك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد، وغيره مملوك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد، فهناك حصر من جهتين:
    - الربّ مقصور على المالكيّة.
    - والعبد مقصور على العبوديّة.

فهرس الكتاب