لفظ الجلالة هو اسم الاسم الأعظم
مرّ بنا أنّ الأسماء الإلهيّة تنتهي ـ بحسب النسق الصعودي لها ـ إلى اسم لا يوجد فوقه اسم من حيث الفاعليّة الوجوديّة والآثار المترتّبة عليه. وهو المسمّى في التراث الإسلامي عامّة بالاسم الأعظم.وقلنا أيضاً إنّ الاسم الأعظم وما تحته من أسماء، هي حقائق عينيّة وليست ألفاظاً، وذلك خلافاً لما قد يتبادر للأذهان من أنّ المقصود هي هذه الألفاظ والأصوات والحروف أو معاني هذه الألفاظ والأصوات، لذا شاع بين الناس أنّ الاسم الأعظم اسم لفظيّ من أسماء الله سبحانه إذا دُعي به استُجيب، ولا يشذّ من أثره شيء، غير أنّهم لمّا لم يجدوا هذه الخاصّة في شيء من الأسماء الحسنى المعروفة ولا في لفظ الجلالة، اعتقدوا أنّه مؤلّف من حروف مجهولة لنا لو عثرنا عليه أخضعنا لإرادتنا كلّ شيء.
ومن الواضح أنّ الأمر ليس كذلك، فإنّنا عندما نقول أنّ الاسم الأعظم هو منشأ لجميع الآثار التي تصدر في عالم الوجود مثلاً، فليس المراد به هو
صفحة 221
الاسم اللفظي الذي يتألّف من مجموعة أصوات مسموعة، والأصوات هي من الكيفيّات العرضيّة، كما ليس المقصود به المعنى والمفهوم، لأنّ المفهوم صورة ذهنية لا أثر لها من حيث نفسها، فمن المستحيل أن يكون صوت أوجدناه عن طريق الحنجرة أو صور خياليّة نصوّرها في أذهاننا هي منشأ لكلّ ما يصدر في هذا العالم من أثر، وإليها يُعزى التصرّف في الوجود.فإذا ما قلنا في الدّعاء: «اللَّهُمَّ إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم الأعزّ الأجلّ الأكرم، الذي إذا دُعيت به على مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة انفتحت، وإذا دُعيت به على مضائق أبواب الأرض للفرج انفرجت، وإذا دُعيت به على العُسر لليُسر تيسّرت، وإذا دُعيت به على الأموات للنشور انتشرت، وإذا دُعيت به على كشف البأساء والضرّاء انكشفت» (1).
وكذلك ما ورد في دعاء الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف: «وبارك لنا في شهرنا هذا المرجّب المكرّم وما بعده من الأشهر الحرم وأسبغ علينا فيه النِّعَم وأجزل لنا فيه القِسَم باسمك الأعظم الأعظم الأجلّ الأكرم الذي وضعته على النهار فأضاء وعلى الليل فأظلم...» (2).
فليس المقصود أنّ هذه التعبيرات المذكورة في الدّعاء تحصل بالاسم اللفظي أو بالمفهوم والمعنى الذهني، لأنّ هذه جميعاً ليست لها القدرة على إيجاد التأثيرات المذكورة في النصّ.
من هنا ذكروا أنّ الأسماء الإلهيّة واسمه الأعظم خاصّة وإن كانت مؤثّرة في الكون ووسائط وأسباباً لنزول الفيض من الذات المتعالية في هذا العالم المشهود، لكنّها إنّما تؤثّر بحقائقها لا بالألفاظ الدالّة في لغة كذا عليها، ولا
ــــــــــ
(1) مفاتيح الجنان المعرَّب: مقطع افتتاحي من دعاء السمات، ص71.
(2) مفاتيح الجنان المعرّب: مقطع من دعاء ورد في أدعية شهر رجب، ص135.
صفحة 222
بمعانيها المفهومة من ألفاظها المتصوّرة في الأذهان. ومعنى ذلك أنّ الله سبحانه هو الفاعل الموجد لكلّ شيء بما له من الصفة الكريمة المناسبة له التي يحويها الاسم المناسب، لا تأثير اللفظ أو صورة مفهومة في الذهن أو حقيقة أخرى غير الذات المتعالية.وفي ضوء هذه الحقيقة يتّضح معنى الروايات التي ذكرت أنّ الاسم الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً.
- عن الإمام الباقر عليه السلام قال: «إنّ الاسم الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنّما كان عند آصف منها حرف واحد، فتكلّم به فخسف بالأرض ما بينه وبين بلقيس حتّى تناول السرير بيده، ثمّ عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين...»(1).
ولست بصدد بيان المراد من أنّ هذا النبيّ أو ذاك يوجد عنده حرف واحد أو أكثر من حروف هذا الاسم المبارك، وإنّما أريد أن أقول إنّ البحث الحقيقي عن العلّة والمعلول وخواصّها يدفع أن تكون هذه الآثار الوجوديّة مترتّبة على الاسم الأعظم بما هو مركّب من حروف التهجّي على هذا العدد لأنّه لا توجد في كلمات العرب وسائر اللغات كلمة مركّبة من ثلاثة وسبعين حرفاً، وغاية ما يتصوّر في العربية الخماسي المزيد فيه، واحتمال كون الاسم الأعظم عبارة مركّبة من عشر كلمات أو أكثر مثلاً، يدفعه اختصاص حرف واحد منه بآصف أو غيره، إذ كلّ أحد يعرف جميع الحروف العربيّة والعبريّة ويستعمله في كلامه ولا يؤثر منه، فثبت أنّ تأثير الاسم الأعظم ليس تأثيراً للتلفّظ بحرف خاصّ أو حروف خاصّة فقط.
ــــــــــ
(1) الأصول من الكافي: كتاب الحجّة، باب ما أُعطي الأئمّة عليهم السلام من اسم الله الأعظم، ج1 ص230، الحديث 1.
صفحة 223
بناءً على ذلك يأتي هذا التساؤل: ما هو الاسم اللفظي الذي يحكي الاسم الأعظم العيني، وبتعبير آخر: ما هو اسم الاسم الأعظم؟هنا جاءت الروايات لتبيّن أنّ لفظ الجلالة «الله» هو اسم للاسم الأعظم.
- عن أسماء بنت زيد أنّها روت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 163) وفاتحة سورة آل عمران: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (1).
- قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ قولك «الله» أعظم اسم من أسماء الله عزّ وجلّ، وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمّى به غير الله ولم يتسمّ به مخلوق» (2).
من هنا فإنّك إذا دعوت الله بالرحمن فقد وصفته بالرحمة، وما وصفته بالقهر، وإذا دعوته بالعليم فقد وصفته بالعلم وما وصفته بالقدرة، وأمّا إذا قلت يا «الله» فقد وصفته بجميع الصفات؛ لأنّ الإله لا يكون إلهاً إلاّ إذا كان موصوفاً بجميع هذه الصفات.
قال الشيرازي: «إنّ الاسم الأعظم هو الله وهو قول منصور، لأنّك قد علمت أنّه علَم للذات المستجمعة للصفات الكماليّة والإلهيّة مع التقدّس عن جميع النقائص الكونية، فهو يجري مجرى العلَم للذّات الحقيقيّة الأحدية وينوب منابه، فكأنّه دالّ على ذاته المخصوصة الأحديّة، وهذا المقام غير محقّق
ــــــــــ
(1) بحار الأنوار، مصدر سابق، الطبعة الثالثة، 1403هـ: باب الاسم الأعظم، ج93 ص227؛ ابن ماجة، كتاب الدّعاء، باب اسم الله الأعظم: ج 2 ص 1267؛ الترمذي، كتاب الدعوات: ج 5 ص 517 باب 65.
(2) نور الثقلين، مصدر سابق: ج1 ص13 سورة الحمد، قوله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
صفحة 224
لشيء من الأسماء العظام؛ لعدم دلالته على ما دلّ عليه هذا الاسم إلاّ على سبيل الالتزام مع بيان وبرهان كما في: الحيّ القيّوم»(1).وقال في موضع آخر: «فالاسم «الله» عبارة عن مرتبة الألوهيّة الجامعة لجميع الشؤون والاعتبارات للذّات المندرجة فيها جميع الأسماء والصفات التي ليست إلاّ تجلّيات ذاته» (2).
من هنا يتّضح مغزى الروايات التي تحدّثت أنّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) هي اسم الله الأكبر أو الأعظم.
- عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن الإمام الصادق عن أبيه الإمام الباقر عليهما السلام قال: «(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها» (3).
- في مهج الدعوات بإسناده إلى معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) اسم الله الأكبر أو قال الأعظم» (4).