Rss Feed

  1. الرحمة لغةً واستعمالاً
    الرحمة لغة: رقّة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وهي عندنا وصف انفعاليّ وتأثّر خاصّ يلمّ بالقلب عند مشاهدة من يفقد أو يحتاج إلى ما يتمّ به أمره، فيحمل من اتّصف بها على الرفق بالمرحوم والإحسان إليه ودفع الضرّ عنه وإعانته على المشاقّ، فهي من الكيفيّات النفسانيّة، ولتلك الكيفيّة اندفاع يحمل صاحبها على أفعال وجوديّة بقدر استطاعته وعلى قدر قوّة انفعاله. فأصل الرحمة من مقولة الانفعال، وآثارها من مقولة الفعل، فإذا وصف موصوف بالرحمة كان معناها حصول الانفعال المذكور في نفسه، وإذا أخبر عنه بأنّه رَحِم غيره فهو على معنى صدر عنه أثر من آثار الرحمة.
    «وقد تستعمل تارةً في الرقّة المجرّدة وتارةً في الإحسان المجرّد عن الرقّة، نحو: رَحِم الله فلاناً، وإذا وُصف به الباري فليس يُراد به إلاّ الإحسان المجرّد دون الرقّة. وعلى هذا روي أنّ الرحمة من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميّين رِقة وتعطّف. وعلى هذا قول النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ذاكراً عن ربّه: إنّه لمّا خلق الرّحم قال له: أنا الرحمن وأنت الرّحم، شققتُ اسمك من اسمي، فمَن وصلك وصلته، ومَن قطعك بتتّه. فذلك إشارة إلى ما تقدّم وهو أنّ الرحمة منطوية على معنيين: الرقّة والإحسان، فركز تعالى في طبائع الناس الرقّة وتفرّد بالإحسان، فصار كما أنّ لفظ الرّحم من الرحمة، فمعناه الموجود في الناس من المعنى الموجود لله تعالى، فتناسب معناهما تناسب لفظيهما» (1).
    وعلى هذا فوصف الله تعالى بصفات الرحمة في لسان الشرائع إنّما هو تعبير عن المعاني العالية بأقصى ما تسمح به اللغات مع اعتقاد تنزيه الله عن أعراض المخلوقات بالدليل العامّ على التنزيه، وهو مضمون قول الله تعالى:
    ــــــــــ
    (1) المفردات، مصدر سابق: ص191، مادّة «رحم».

    صفحة 226
    (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11).
    فأهل الإيمان إذا سمعوا أو أطلقوا وصفي الرحمن الرحيم، لا يفهمون منه حصول ذلك الانفعال الملحوظ في حقيقة الرحمة في متعارف اللغة العربيّة؛ لسطوع أدلّة تنزيه الله تعالى عن الأعراض، بل إنّه يُراد بهذا الوصف في جانب الله تعالى إثبات الغرض الأسمى من حقيقة الرحمة وهو صدور آثار الرحمة من الرفق واللطف والإحسان والإعانة، لأنّ ما عدا ذلك من القيود الملحوظة في مسمّى الرحمة في متعارف الناس لا أهمّية له، لولا أنّه لا يمكن بدونه حصول آثاره فيهم.
    وهذا معنى ما ذكر أنّ أسماء الله تعالى إنّما أخذت باعتبار الغايات التي هي الأفعال والآثار، لا باعتبار مباديها التي تكون انفعالات.
    - عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «إنّ الرحمة وما يحدث لنا، منها شفقة ومنها جود، وإنّ رحمة الله ثوابه لخلقه، وللرحمة من العباد شيئان:
    أحدهما: يُحدث في القلب الرأفة والرقّة لما يرى بالمرحوم من الضرّ والحاجة وضروب البلاء.
    والآخر: ما يحدث منّا بعد الرأفة واللطف على المرحوم والمعرفة بما نزل به.
    وقد يقول القائل: انظر إلى رحمة فلان، وإنّما يريد الفعل الذي حدث عن الرقّة التي في قلب فلان، وإنّما يضاف إلى الله عزّ وجلّ من فعل ما حدث عنّا من هذه الأشياء، وأمّا المعنى الذي في القلب فهو منفيّ عن الله كما وصف عن نفسه، فهو رحيم لا رحمة رقّة»(1).
    ــــــــــ
    (1) هذا الكلام ورد في رسالة من الإمام الصادق عليه السلام كتبها في جواب ما كتبه إليه المفضّل بن عمر الجعفي يسأله فيها أن يكتب ردّاً على الملحدين المنكرين للربوبيّة واحتجاجاً عليهم، وقد وردت في بحار الأنوار ، مصدر سابق: ج3 ص196.

فهرس الكتاب