Rss Feed

  1. الأولى: معنى «غير» في قوله: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)
    «غير» تفيد المغايرة بمعنى أنّها تدلّ على أنّ ما بعدها مغاير ومخالف لما قبلها في المعنى الذي ثبت له، إيجاباً أو نفياً، فمثلاً معنى «أسرع المتسابقون غير سعيد» أنّهم أسرعوا مغايرين ومخالفين في هذا سعيداً، فهو لم يسرع، فكان مخالفاً ومغايراً لهم أيضاً.
    وتقع في الأعمّ الأغلب نعتاً للنكرة، فتفيد مغايرة مجرورها للمنعوت، وقد تقع نعتاً ووصفاً للمعرفة كما هو الحال في المقام فكأنها وقعت نعتاً لاسم الموصول وهو معرفة، من هنا قد يقال كيف يمكن أن تكون النكرة وصفاً للمعرفة، مع أنّه لابد أن يكون أشهر وأعرف من الموصوف، وقد أجيب عن ذلك بوجوه؛ منها:
    الأوّل: إنّ منعوتها وحده من غير الصلة هو بمنزلة النكرة أيضاً، فهي مطابقة له في التنكير.
    الثاني: إنّما صحّ وقوع «غير» صفة للمعرفة لأنها بالإضافة إلى المعرفة صارت معرفة أيضاً، فلم تقع النكرة وصفاً للمعرفة، إلاّ أنّ هذا الوجه غير تامّ، لأنّ «غير» لتوغّلها في الإبهام لا تفيدها الإضافة تعريفاً، أي فلا يكون في الوصف بها فائدة التمييز، فلا توصف بها المعرفة. فـ «غير» وإن كانت مضافة للمعرفة إلّا أنّها ـ لما تضمّنه معناها من الإبهام ـ انعدمت معها فائدة التعريف، إذ كلّ شيء سوى المضاف إليه هو غير، فماذا يستفاد من الوصف في قولنا: مررت بزيد غير عمرو؟
    الثالث: إنّ التوصيف هنا إنّما هو باعتبار كون (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ليس

    صفحة 409
    مراداً به فريق معيّن، فكان وزان تعريفه بالصلة وزان المعرّف بـ (أل الجنسية) المسمّاة عند علماء المعاني بلام العهد الذهني، فكان في المعنى كالنكرة، وإن كان لفظه لفظ المعرفة، فلذلك عُرّف ونعت بمثله لفظاً ومعنىً، أعني (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) الذي هو في صورة المعرفة لإضافته لمعرفة، وهو في المعنى كالنكرة، لعدم إرادة شيء معيّن.
    الرابع: أنّ إبهام «غير» وتنكيرها ضعيفان ـ بسبب وقوعها بين ضدّين ـ فهي قريبة من المعرفة، فتقع نعتاً للمعرفة، بمعنى أنّ «غير» إذا أضيفت إلى ضدّ موصوفها ـ وهو ضدّ واحد ـ أي إلى مساوي نقيضه، تعيّنت له الغيرية، فصارت صفة ثابتة له، إذ غيرية الشيء لنقيضه ثابتة له أبداً، فقولك: (عليك بالحركة غير السكون) هو غير قولك: (مررت بزيد غير عمرو). وقوله: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) من الأوّل.
    الخامس: ولعله هو الحقّ، أنّ العرب استعملت في كلامها «غير» نعتاً للنكرة أحياناً، وللمعرفة التي تشبهها حيناً، كما هو الحال في هذه الآية.

فهرس الكتاب