Rss Feed

  1. السابعة: التفسير الانفسي للصراط المستقيم
    أمّا التفسير الأنفسي للصراط المستقيم، فهو باطن الهدى الذي أنشأه الإنسان لنفسه وهو في هذه النشأة الدنيوية بما هداه الله من الأعمال القلبية والبدنية، ومبدأه الطبيعة الحسّية ومنتهاه باب الرضوان الإلهي، وبتعبير آخر: إنّ الصراط المستقيم هو باطن ما عليه الإنسان في هذه النشأة من الاعتقادات الحقّة والملكات الحميدة والأعمال الصالحة ـ بناءً على نظرية تجسّم الأعمال ـ.
    من هنا فهو موجود أيضاً في هذه النشأة إلّا أنّه كغيره من الحقائق الملكوتية الغائبة عن الأبصار لا تشاهد له صورة محسوسة، فإذا انكشف غطاء
    ــــــــــ
    (1) مجمع البيان، مصدر سابق: ج6، ص442.
    (2) المصدر نفسه: ص 443.
    (3) بحار الأنوار، مصدر سابق: الباب 24، ج8 ص250.


    صفحة 387
    الطبيعة بالموت الاختياري أو الاخترامي، ينكشف له يوم القيامة جسراً ممدوداً على متن جهنم كما قال تعالى: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق: 22) حيث أشارت إلى أن ما يشاهده الإنسان يوم القيامة من حقائقها موجود الآن، غير أنّه في غفلة منه، وخاصّةُ يوم القيامة أنه يوم انكشاف الغطاء وظهور هذه الحقائق ومعانيها، لا يوم حدوثها ووجودها، وذلك لأنّ الغفلة إنّما تتصور في ما يكون هناك أمر موجود مغفول عنه، والغطاء يستلزم أمراً وراءه وهو يغطّيه ويستره.
    إذن فالصراط وإن كان يشاهد ويعاين في الآخرة إلّا أنه موجود بالفعل، فإذا شاهده الإنسان علم أنه صنعُه وبناؤه، ويعلم أنه قد كان في الدنيا جسراً ممدوداً على متن جهنم طبيعة وهوى الإنسان التي قيل لها هل امتلأت فتقول هل من مزيد، ليزيد في طول طبيعتك وشهواتك وأملك في هذه الدنيا الدنية وعرضها، إلا أن لهبها كان كامناً مستتراً مغفولاً عنه إلى أن برزت وظهرت للإنسان يوم انكشاف الغطاء (وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى) (النازعات: 36).
    فالإنسان السالك إلى الله، المهتدي بنوره، يعجّل بقيامته بإطفاء نار جحيمه بنور إيمانه، ونار توبته في الموطن الذي ينفعه لقيامته ويقبل من توبته، وهو في هذه النشأة، وذلك لأنّه بعد قيام النشأة الأخرى لا ينفع فيها عمل، لأنها موطن الجزاء.
    ويمكن إثبات هذه الحقيقة فلسفياً من خلال مجموعة من الأصول والقواعد التي أسست لها مدرسة الحكمة المتعالية، من قبيل أنّ النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء، والحركة الجوهرية، واتحاد العاقل والمعقول، واتحاد العامل والعمل، فإنّها تنتج نظرية تجسّم الأعمال وتمثّلها بحسب النشأة الأخرى.
    ولازم ما تقدّم أن يكون لكلّ نفس صراط خاصّ بها في الآخرة بوجه، كما

    صفحة 388
    أنّها سالكة أيضاً بوجه، فيكون السالك والصراط ـ أي المتحرّك والمسافة ـ شيئاً واحداً بالذات وجوداً، وإن كان أحدهما غير الآخر اعتباراً وتحليلاً، فيتعدّد الصراط بعدد النفوس الإنسانية، لا أنّ هناك صراطاً واحداً يمرّ عليه الجميع، ومنه يتّضح أن بعض هذه الصُرط مستقيمة وبعضها منحرفة، والمستقيمة بعضها واصلة وبعضها واقفة، والواصلة بعضها سريعة وبعضها بطيئة، وأتمّ الصُرط المستقيمة نفس أمير المؤمنين عليه السلام ثم نفوس أولاده المطهّرين.

فهرس الكتاب