Rss Feed

  1. الخامسة: التفسير الآفاقي للصراط المستقيم
    ظاهر الآية أن الصراط المستقيم إلى الحقّ تعالى موجود بالفعل، ومنعوت بالاستقامة الفعلية، فهو الآن موجود ومتحقّق في متن الأعيان، كالطريق المستقيم الموجود بين نقطتين يوصل بينهما، وعلى هذا يلزم علينا الفحص عنه. ولعلّ هذا هو السرّ في أنّ المؤمن أُمر أن يدعو ربّه مرّات عديدة في صلواته اليومية (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) لأنّه هو أفضل الطرق وأحسنها وأقصرها للوصول إلى الهدف الذي خلق الإنسان من أجله، وأمّا إذا لم يوفّق الإنسان لسلوك هذا الطريق فإنّه لا يزيده سرعة المشي في غير الصراط المستقيم إلّا بُعداً عن الهدف، وإلى هذا أشار الإمام الصادق عليه السلام بقوله: «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة المشي إلّا بُعداً» (1).
    من هنا أشار القرآن إلى الصراط المستقيم من خلال بيان المصاديق التي هداها إلى الصراط المستقيم؛ قال تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ
    ــــــــــ
    (1) الأصول من الكافي : كتاب فضل العلم، باب من عمل بغير علم، الحديث1، ج1، ص43.

    صفحة 383
    وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) (الأنعام: 83 ـ 88).
    ثم أمر باتباع الأنبياء واتخاذهم قدوة: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ) (الأنعام: 90) وخصّ من بينهم اتباع الرسول الخاتم صلّى الله عليه وآله واتخاذه أسوة وقدوة؛ قال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران: 31) وقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21).
    على هذا يكون الصراط المستقيم الموصل إلى الله تعالى، هو اتّباع النبي الخاتم صلّى الله عليه وآله. ولا يتحقّق هذا الاتباع إلّا بالأخذ بكل ما جاءنا عنه صلّى الله عليه وآله؛ قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7) وقد أتانا منه أنّه ترك فينا ما إن تمسّكنا به لن نضلّ بعده أبداً، قال صلّى الله عليه وآله كما أخرجه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال: «قام رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خُمّاً بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال: أمّا بعد، ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما: كتاب الله. ورغّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي» (1).
    ــــــــــ
    (1) صحيح مسلم، مسلم بن الحجّاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت: ج4، ص1873.

    صفحة 384
    وبهذا يتبيّن أنّ الهداية إلى الصراط إنّما تتحقّق من خلال معرفة الله ورسوله والحجّة في كلّ زمان، وهذا ما أكّدته نصوص روائية عديدة، منها:
    - عن المفضّل بن عمر، قال: «سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن الصراط، فقال: هو الطريق إلى معرفة الله عزّ وجلّ» (1).
    - وفي تفسير علي بن إبراهيم في الموثّق عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الطريق معرفة الإمام» (2).

فهرس الكتاب