Rss Feed

  1. تكرّر المفردة القرآنيّة تجدّد في المعنى
    التكرار من الكرّ، والكرّ: الرجوع على الشيء (1). وفي الاصطلاح: تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرّة لمعانٍ متعدّدة كالتوكيد والتهويل والتعظيم وغيرها.
    وعادةً ما تُثار قضيّة التكرار الواقع في المفردات والآيات القرآنيّة، والذي يُريد البعض منها التلويح بإشكاليّة اللغويّة ما دام التكرار لا يأتي بمعانٍ جديدة.
    وممّا يُذكر بأنّ التكرار قد وقع بصور مختلفة؛ منه ما وقع في المفردات، ومنه ما وقع في الآيات. والثاني، فمنه ما وقع في سورة واحدة، ومنه ما وقع في سور مختلفة. ومجموع التكرار منه ما وقع بشكل موصول ومنه ما وقع بشكل مفصول (2).
    ــــــــــ
    (1) انظر لسان العرب، للعلاّمة ابن منظور، نشر دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأُولى، 1405هـ: ج15 ص135.
    (2) الموصول إمّا أن يكون بتكرار كلمات في سياق الآية، مثل قوله تعالى: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ) (المؤمنون: 36)، وإمّا في آخر الآية وأوّل التي بعدها، مثل قوله تعالى: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً) (الإنسان: 15 ـ 16)، وإمّا في أواخرها، مثل قوله تعالى: (كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً) (الفجر: 21)، وإمّا تكرّر الآية بعد الآية مباشرة، مثل قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح: 5 ـ 6).
    وأمّا المفصول فهو على صورتين؛ إمّا تكرار في السورة نفسها، وإمّا تكرار في القرآن كلّه، والأوّل مثل قوله تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)، حيث تكرّر ثمان مرّات في سورة، ومثال التكرار في القرآن كلّه: تكرّر قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )، حيث تكرّر ستّ مرّات في سور مختلفة، كما هو مُبيّن في الهامش اللاحق.


    صفحة 160
    ومن الشواهد البارزة للتكرار الواقع في المفردات ما وقع تباعاً في سياق الآية الواحدة كقوله تعالى: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ) (المؤمنون: 36)، ومنه ما وقع في آخر الآية وأوّل التي بعدها كقوله تعالى: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً) (الإنسان: 15 ـ 16)، ومنه ما وقع في أواخر الآية كقوله تعالى: (كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً) (الفجر: 21).
    وأمّا ما ورد في الآيات، فمنه ما وقع في سورة واحدة، من قبيل ما جاء في سورة الرحمن، حيث تكرّرت آية: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فيها ثلاثاً وثلاثين مرّة، وما جاء في سورة الشعراء، حيث تكرّرت آية: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ثماني مرّات، وهكذا الحال في سورة المرسلات (1)، ومنه ما وقع في سور مختلفة، ومن الآيات المكرّرة بصورة متناثرة بين السور القرآنيّة، قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)، حيث تكرّر ستّ مرّات في سور مختلفة (2)، وقوله تعالى: (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)، حيث تكرّر مرّتين (البقرة: 5، ولقمان: 5)، وغير ذلك.
    بل هنالك تكرار آخر يُدّعى في المقام يتمثّل بتكرار القصص القرآنيّة، من قبيل قصّة آدم عليه السلام وموسى عليه السلام اللتين كُرّرتا في أكثر من موضع، وهذا واضح.
    فما هي حقيقة التكرار المدّعى في المقام ؟
    هنا حاول جملة أعلام الفريقين الإجابة عن ذلك، نذكر ما هو مهمّ منها ثمّ نبيِّن ما هو المختار في المقام.
    قال السيوطي: «التكرير وهو أبلغ من التأكيد، هو من محاسن الفصاحة
    ــــــــــ
    (1) حيث تكرّر قوله تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) عشر مرّات.
    (2) في: يونس: 48، والأنبياء: 38، والنمل: 71، وسبأ: 29، ويس: 48، والملك: 25.


    صفحة 161
    خلافاً لبعض من غلط» (1)، فالتكرار في القرآن عنده من الفصاحة في الكلام وليس من المذموم الذي لا ثمرة فيه.
    ولكنّه لم يُبيِّن لنا وجه الفصاحة فيه، فالتأكيد أمرٌ واضح للعيان، ولكن كيف يكون التكرير أفصح منه؟ وكيف نفهم أنّه من محاسن الفصاحة؟ ألكونه قرآناً، أم ماذاُ؟ ولذلك سوف يُكرّر السؤال نفسه.
    ثمّ يتعرّض السيوطي إلى فوائد أُخرى للتكرار القرآني.
    - منها: التقرير، بنكتة أنّ الكلام إذا تكرّر تقرّر وتأكّد. ولعلّ مراده من التقرير هو التتميم والترسيخ. فالهدف القرآني لا ينتهي عند البلاغ وإنّما لابدّ من الاطمئنان على وصول الفكرة وتحقّق الهدف، وهذا المعنى قد يُلازمه التكرار. إن كان مراده ذلك فهو وجهٌ وجيه، ولكنّه ليس العلّة التامّة فيه.
    - ومنها: التأكيد، وزيادة التنبيه، كتكرار النداء في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِي أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ) (غافر: 38ـ 39).
    - ومنها: أنّ إعادة المطلع عند إطالة الكلام أمرٌ تقتضيه الفصاحة والبلاغة من قبيل أهمّية تكرار (وَلَمَّا جَاءَهُمْ) في قوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة: 89).
    ومنها: التعظيم والتهويل، كما هو المشهور في: (الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ)، (الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ)، ولهذا النوع شواهد أُخرى كثيرة (2).
    أقول: إنّ من مميّزات اللغة العربيّة الميل إلى الاختصار والإيجاز، فإذا
    ــــــــــ
    (1) الإتقان في علوم القرآن، جلال الدِّين السيوطي، طبعة مؤسّسة النداء: ج3 ص280.
    (2) المصدر نفسه: ج3 ص281 ـ 282.


    صفحة 162
    توقّف الإفهام على الإطناب أو التكرار لزم ذلك، وإلاّ لزم نقض الغرض، وهو ممنوع بحقّ العاقل الرشيد، فضلاً عن الحقّ سبحانه صاحب القول السديد.
    فهل التكرار القرآني واقع لأجل ذلك ؟
    هنا ينبغي التنبيه إلى أنّ النصّ القرآني لم تُؤخذ فيه الجنبة التشريعيّة أو الدينيّة فحسب، وإنّما لُحظت فيه جوانب أُخرى، من جملتها ـ إن لم تكن أهمّها ـ جانب الإعجاز الأدبي والبلاغي، الذي جاء ليُعجز بيئة النزول التي طغى عليها الحسّ الأدبي والبلاغي.
    فهنالك وظيفة دينيّة وأخرى أدبيّة لوحظتا في النصّ القرآني، فإذا ما أردنا تحليل ظاهرة التكرار القرآني فلابدّ من مراعاة هاتين الخصوصيّتين، وهذا واضح.
    ولنأخذ شاهداً قرآنيّاً نُقرِّب فيه تحقيق الوظيفتين الدينيّة والبلاغيّة، وهو قوله تعالى: (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (الرعد: 5)، حيث تكرّرت كلمة (أُوْلَئِكَ) ثلاث مرّات، فهل رُوعيت فيها ما التزمنا به من وظائف النصّ القرآني ؟
    أمّا الوظيفة الأدبيّة البلاغيّة فواضحة جدّاً، فالنصّ هنا سوف ينتابه الاضطراب والركاكة بشكل مُلفت للنظر، بل سوف يحصل خطأ في التعبير، حيث لا يُعلم من هم أصحاب النار في المقام، هل هم أنفسهم أولئك الذين أنكروا نبوّة النبيّ صلى الله عليه وآله وكانت الأغلال في أعناقهم ؟
    وأمّا الوظيفة الدينيّة فتتمثّل ـ بحسب الظاهر ـ ببيان الحكم الشرعي وإيصاله بطريقة لا تكون مشوبة بالخطأ أو الإيهام بذلك، ومن الواضح بأنّ

    صفحة 163
    هذا المعنى لا يتحقّق في المقام دون هذا التكرار، فهو تكرار ضروريّ على مستوى البلاغة وعلى مستوى التبليغ.
    إنّما الكلام يقع في تكرار الآيات لاسيّما في السورة الواحدة وبصورة ملفتة للنظر، كما هو الحال في تكرار آية: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) في سورة الرحمن، فهل يُخرّج ذلك في ضوء الوظيفتين الدينيّة والأدبيّة ؟
    وهنا نودّ أن نُقدِّم عرضاً آخر نقرّب به صحّة التكرار الظاهري للآية الكريمة.
    من الثابت وجداناً وتحقيقاً بأنّ كلّ آية قرآنيّة لها معناها الخاصّ بها الذي لا تشترك فيه مع الآيات الأُخرى، كما هو الحال بالنسبة لأيّ عدد رقميّ حيث يختصّ بمرتبة ويتميّز بها عن سائر الأعداد والمراتب الرقميّة الأُخرى، وهذا واضح.
    ولكن كلّ آية إذا ما لُوحظت بمعيّة آية أُخرى فإنّ الموقف سوف يتبدّل تماماً، كما هو الحال في إضافة عدد رقميّ إلى عدد آخر، فإنّ كلّ واحد منهما له مرتبته الخاصّة به، ولكنّهما معاً سوف يُعطيان عدداً رقميّاً آخر، وهذا واضح أيضاً.
    وهكذا الحال في المقام، فكلّ آية إذا ما ضُمّت لآية أُخرى فإنّهما معاً سوف يُعطيان أمراً ومستوىً آخر، يُمكن أن نُطلق عليه المعنى الثالث، فإذا أخذنا هذا المعنى العلمي التحليلي الدقيق في المقام فإنّه لن تبقى لدينا إشكاليّة تُذكر.
    وعليه فإذا أخذنا كلّ مقطع نصّي من سورة الرحمن مختوم بآية: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فإنّنا سوف نخرج بنتيجة تمتاز عمّا قبلها وعمّا بعدها، فالملحوظ في المقام هو الصورة النهائيّة التي يرسمها المقطع القرآني الوارد في الآية المكرّرة ظاهراً، ممّا يعني أنّ هنالك صورة تكرار يلحظها مستقلّة من لا

    صفحة 164
    دراية له بقراءة النصّ القرآني.
    ومن هنا يمكن لنا التلميح بدفع شبهة التكرار الظاهري للبسملة في المجموع القرآني، فهو صورة تكرار تُدفع بما ذكرناه، ولكن بخصوصيّة أُخرى لا تبتعد بنا كثيراً عن أصل الفكرة، ولعلّنا سنُفصّل ذلك في أوّل سورة الحمد.
    وبذلك نخرج بنتيجة غاية في الأهمّية، وهي أنّ كلّ تكرار ظاهريّ يمكن أن يؤدّي الوظائف التالية:
    1 ـ الوظيفة الأدبيّة البلاغيّة.
    2 ـ الوظيفة الدينيّة التبليغيّة.
    3 ـ إضافة معنى جديد لا يتكرّر أبداً حتّى مع حصول تكرار ظاهريّ آخر.
    وهذه النقطة الأخيرة تقودنا إلى هذه الحيثيّة القرآنيّة الاستثنائيّة، وهي أنّ التكرار الظاهري القرآني يلازمه التجدّد في المعنى.
    وفي الختام
    لابدّ من التأكيد على الملاحظات التي أوضحناها سابقاً وهي :
    الأُولى: إنّ جميع ما يتزوّد به المفسِّر من علوم ومعارف ينبغي أن يقع ما يصحّ منها في خدمة النصّ القرآني، لا أن يقع النصّ القرآني في خدمتها إثباتاً وتوكيداً.
    بمعنى: عدم حمل النتائج المعرفيّة للمعارف والعلوم المتنوّعة على النصّ القرآني وتطويع النصّ القرآني لخدمة تلك النتائج إثباتاً وتوكيداً، فإنّ للنصّ القرآني معطياته الخاصّة به التي ينبغي أن تكون حاكمة لا محكومة.
    بعبارة أُخرى: عدم تمكين النصّ القرآني في ضوء النتائج المعرفيّة المُستقاة من معارف وعلوم أُخرى في رتبة سابقة، فإنّ هذا يعنى تقعيد النصّ القرآني

    صفحة 165
    في قوالب اُعدّت سلفاً ومصادرة معطياته.
    وهذا بدوره يُفضي إلى نتائج فرضتها طبيعة تلك المعارف والعلوم المختلفة وليس النصّ القرآني نفسه، ممّا يعني أنّ العمليّة التفسيريّة سوف تكون عمليّة تطويعيّة للنصّ القرآني وليست عمليّة تشخيصيّة لمرادات ومقاصد النصّ، فيكون الأداء التفسيري مجرّد عمل تطبيقي لنتائج المعارف الأُخرى، وبذلك تتحوّل العمليّة التفسيريّة المُمنهجة إلى مجرّد أداء اتّجاهي، بل هي أخطر أنواع الاتّجاهات، كما هو واضح.
    الثانية: إنّ المعاني التي تقف وراء النصّ القرآني المراد تفسيره وكشف معانيه لا تمثِّل مرتبة واحدة، وإنّما هي في حدّها الأدنى على أربع مراتب رئيسيّة، كما تقدّمت الإشارة إليها وهي: الإشارة، والعبارة، واللطائف، والحقائق، وتقع تحتها مراتب كثيرة، فكلّ مرتبة رئيسيّة تمثِّل دائرة تنضوي تحتها مراتب تمثِّل مستويات العرض التفسيري الذي يحدّده ـ عادةً ـ السقف المعرفي للمفسِّر.
    وفي ضوء هذه المراتب الرئيسيّة الأربع يحاول أن يقدّم المفسِّر رؤيته التفسيريّة ضمن مرتبة منها، وكلّ بحسبه، فإن أصاب ما عليه الواقع ـ ولو بحدود سقفه المعرفي ـ كان بها وإلاّ فإنّ ما قدّمه ـ وإن كان معذوراً فيه في صورة توفّره على الحجّة الشرعيّة ـ أجنبيّ عن مقاصد النصّ القرآني .
    وما أصاب به الواقع ضمن سقفه المعرفي سوف يمثِّل مرتبة من مراتب تلك المرتبة الرئيسيّة، ممّا يعني عدم حصول الإصابة الواقعيّة التامّة إلاّ بحدود ضيّقة جدّاً تكاد تنحصر بأهل العصمة المطلقة ومن كان قريباً من كمالاتهم المعرفيّة.
    ومن الواضح أنّ تلك المراتب الرئيسيّة الأربع كلّ مرتبة منها هي أعمق وأشمل من الأُخرى، فالمرتبة الحقائقيّة رغم وجودها البسائطي إلاّ أنّها

    صفحة 166
    أشدّ المراتب قاطبة وأشملها وأهمّها على الإطلاق، ثمّ تليها المرتبة اللطائفيّة، ثمّ الإشاريّة، ثمّ العبارية.
    الثالثة: إنّ جميع النتائج المعرفيّة التي تُفضي إليها العمليّة التفسيريّة ـ ضمن أيّ منهج كان وبأيّ أسلوب تبلورت ـ لا يمكن القول بمطابقتها للمعاني الواقعيّة التي عليها النصّ القرآني، لما عرفت من أنّ المعاني الواقعيّة ليست على مرتبة واحدة، وأنّ العرض التفسيري هو عرض للسقف المعرفي الذي عليه المفسّر ـ بالكسر ـ وليس المفسَّر ـ بالفتح ـ وهذا واضح.
    الرابعة: لا ينبغي للمفسِّر أن يقتحم بعمليّته التفسيريّة مرتبة من مراتب القرآن الأربع إلاّ بعد التوفّر على ضوابطها وشرائطها، فليس لمن لم يدرك المعنى الإشاري في النصّ القرآني أن يلج هذه المرتبة وإلاّ سوف ينتهي المطاف به إلى الوقوع في دائرة التفسير بالرأي المحرّم شرعاً، وهكذا الحال في المراتب الأُخرى.

فهرس الكتاب