Rss Feed

  1. صفحة 169
    عظمة سورة الحمد
    اهتمّ القرآن الكريم بهذه السورة المباركة اهتماماً خاصّاً، حيث جعلها عدْلاً لباقي القرآن؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر: 87). والمراد من «السبع المثاني» كما جاء في عدد من الروايات المأثورة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام هي سورة الحمد؛ لذا ورد التأكيد في روايات الفريقين أنّها أفضل سورة نزلت على قلب الخاتم صلى الله عليه وآله.
    - عن عليّ عليه السلام قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنّ الله تبارك وتعالى قال لي: يا محمّد (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) فأفرد الامتنان عليَّ بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإنّ الله خصَّ محمّداً وشرّفه بها ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه» (1).
    - وعن الحسن بن عليّ عليهما السلام في حديث طويل: «جاء نفرٌ من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فسأله أعلمهم عن أشياء، فكان في ما سأله: أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيّين وأعطى أمّتك من بين الأمم، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: أعطاني الله فاتحة الكتاب» (2).
    ــــــــــ
    (1) عيون أخبار الرضا، للشيخ الأقدم والمحدِّث الأكبر أبي جعفر الصدوق، منشورات الشريف الرضي: ح60، ج1 ص270.
    (2) الخصال، للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت: 381هـ)، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية بقم المقدّسة: ج1 ص355.


    صفحة 170
    - وعن جابر بن عبد الله أنّه «قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جابر ألا أعلّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟ فقال جابر: بلى بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، علّمنيها. فعلّمه (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أمّ الكتاب» (1).
    - وأخرج الدارمي والترمذي وحسّنه، والنسائي وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند، وابن الضريس في «فضائل القرآن»، وابن جرير وابن خزيمة والحاكم، وصحّحه من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أُبيّ بن كعب قال: «قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلّم: ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثل أُمّ القرآن، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أُوتيت» (2).
    - وأخرج مسلم والنسائي وابن حبّان والحاكم عن ابن عبّاس قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلّم جالس وعنده جبريل إذ سمع نقيضاً من السماء من فوق، فرفع جبرئيل بصره إلى السماء فقال: يا محمّد هذا ملك قد نزل لم ينزل إلى الأرض قطّ. قال: فأتى النبيّ صلى الله عليه (وآله) وسلّم فسلَّم عليه فقال: أبشر بنورين قد أُوتيتهما لم يؤتهما نبيٌّ قبلك؛ فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة» (3).
    - وأخرج أبو الشيخ في الثواب والطبراني وابن مردويه والديلمي والضياء المقدسي في المختارة عن أبي امامة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلّم: أربع أُنزلن من كنز تحت العرش لم ينزل منه شيء غيرهنّ: أُمّ الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة والكوثر» (4).
    ــــــــــ
    (1) تفسير العيّاشي، مصدر سابق: ج1 ص101، ح9.
    (2) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، مصدر سابق: ج1 ص13.
    (3) المصدر نفسه.
    (4) المصدر نفسه: ج1 ص16.


    صفحة 171
    بل نجد في جملة من روايات الفريقين أنّها فُضّلت على جميع القرآن.
    - أخرج أبو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلّم: «فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزي شيء من القرآن، ولو أنّ فاتحة الكتاب جُعلت في كفّة الميزان وجُعل القرآن في الكفّة الأخرى، لفضّلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرّات» (1).
    محتويات سورة الحمد
    لعلّ السبب الذي جعل هذه السورة تحتلّ هذا الموقع المتميّز في القرآن العظيم هو ما تضمّنته من المعارف والحقائق الأساسيّة التي جاء القرآن من أجلها، بل جميع الكتب والرسالات السماويّة، حيث نجد على سعتها في بيان المعارف الأصليّة وما يتفرّع عليها من الأخلاق والأحكام والوعد والوعيد والقصص والعِبر، ترجع جميع بياناتها إلى التوحيد والنبوّة والمعاد وفروعاتها، وإلى هداية العباد في ما يصلح به أولاهم وأخراهم، وهذه السورة تشتمل على جميعها بأوجز لفظ وأوضح معنى.
    - لذا ورد عن الإمام الرضا عليه السلام قوله: «فإن قيل: فلِمَ بدأ بالحمد في كلّ قراءة دون سائر السور؟ قيل: لأنّه ليس شيء في القرآن والكلام جُمع فيه جوامع الخير والحكمة ما جُمع في سورة الحمد» (2).
    بهذا يتّضح ما ذكره صدر المتألّهين الشيرازي في تفسيره حيث قال: «والعارف المحقّق يفهم من هذه السورة الواحدة جميع المعارف والعلوم الكلّية المنتشرة في آيات القرآن وسوره، ومن لم يفهم هذه السورة على وجه يستنبط منها عمدة أسرار العلوم الإلهيّة والمعالم الربّانيّة من أحوال المبدأ والمعاد
    ــــــــــ
    (1) الدرّ المنثور: ج1 ص16، جامع أحاديث الشيعة، مصدر سابق: ج15 ص89 ح224.
    (2) عيون أخبار الرضا، مصدر سابق: ج2 ص114، باب 34.


    صفحة 172
    وعلم النفس وما بعدها وما فوقها الذي هو مفتاح سائر العلوم كلّها، فليس هو بعالم ربّاني ولا هو مهتدٍ بتفسيرها على وجهه. ولو لم تكن هذه السورة مشتملة كما قلنا على أسرار المبدأ والمعاد وعلم سلوك الإنسان إلى ربّه، لما وردت الأخبار على فضلها وأنّها تعادل كلّ القرآن، إذ لا مرتبة ولا فضيلة لشيء بالحقيقة إلاّ بسبب اشتماله على الأمور الإلهيّة وأحوالها» (1).

فهرس الكتاب