البحث الأول: الآية بدل من الآية السابقة
قال الزمخشري: «( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بدل من (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهو في حكم تكرير العامل. فإن قلت: ما فائدة البدل وهلاّ قيل: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم؟ قلت: فائدته التوكيد؛ لما فيه من التثنية والتكرير».
والمستفاد من كلامه أنّ فائدة الإبدال أمران يرجعان إلى التوكيد، وهما ما فيه من التثنية أي تكرار لفظ البدل ولفظ المبدل منه، وعنى بالتكرير ما يفيده البدل عند النحاة من تكرار العامل فكأنه قيل: «( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم». وسمّاه تكريراً لأنّه إعادة اللفظ بعينه، بخلاف إعادة لفظ المبدل منه فإنّه ليس كذلك. ولذلك عبّر بالتكرير والتثنية، ومراده أنّ مثل هذا البدل ـ وهو الذي فيه إعادة لفظ المبدل منه ـ يفيد فائدة البدل وفائدة التوكيد اللفظي.
ومن الواضح أنّ إعادة الاسم في البدل ليُبنى عليه ما يُراد تعلّقه بالاسم الأوّل، أسلوب بديع بليغ لإشعار إعادة اللفظ بأنّ مدلوله محلّ العناية وأنّه محبوب إلى النفس، ومثله تكرير الفعل كقوله تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) (الفرقان: 72) وقوله: (رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا) (القصص63) فإنّ إعادة فعل (مرّوا) وفعل (أغويناهم) وتعليق المتعلَّق بالفعل
صفحة 401
المعاد دون الفعل الأوّل، تجد له من الروعة والبهجة ما لا تجده لتعليقه بالفعل الأوّل دون إعادة، وليست الإعادة في مثله لمجرد التوكيد لأنّه قد زيد عليه.