(18) المفردة الثالثة: «ضلّ» لغة واستعمالاً
قال في «تهذيب اللغة»: «يقال: أضللتَ الشيء: إذا ضاع منك. وإذا أخطأتَ موضع الشيء الثابت مثل الدار قلت: ضللتُه. ولا تقل أضللتُه.قلت: والإضلال في كلام العرب ضدّ الهداية والإرشاد، يقال: أضللتُ فلاناً إذا وجّهته للضلال عن الطريق.
وقال أبو عمرو: يقال: ضللتُ بعيري إذا كان معقولاً فلم تهتدِ لمكانه، وأضللته إذا كان مطلقاً فذهب ولا تدري أين أخذ، وكلّما كان الضلال من قبلك قلتَ ضللتُه، وما جاء من المفعول به قلت أضللتُه، وقال: أصل الضلالة الغيبوبة» (2).
ــــــــــ
(1) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: كتاب التوحيد، الباب 5، ج3، ص196.
(2) تهذيب اللغة، لأبي منصور الجوهري: باب الضاد واللام، ج11، ص318.
صفحة 398
وقال ابن فارس: «الضاد واللام أصل صحيح يدلّ على معنى واحد، وهو ضياع الشيء وذهابه في غير حقّه، يقال: ضلّ، يضِلّ، ويضَلّ، لغتان، وكلّ جائر عن القصد ضالّ، والضلال والضلالة بمعنىً، ورجل ضلّيل ومضلَّل إذا كان صاحب ضلال وباطل. ومما يدلّ على أن أصل الضلال ما ذكرناه: قولهم أُضلّ الميت إذا دُفن، وذاك كأنه شيء قد ضاع، ويقولون: ضلّ اللبن في الماء، ثم يقولون: استهلك.قال ابن السكيت: يقال: أضللتُ بعيري إذا ذهب منك، وضللتُ المسجد والدار إذا لم تهتدِ لهما، وكذلك كلّ شيء مقيم (أي ثابت) لا يُهتدى له» (1).
وقال الراغب في «المفردات»: «الضلال: العدول عن الصراط المستقيم، عمداً كان أو سهواً أو جهلاً، قليلاً كان أو كثيراً، ولذا صحّ أن يستعمل لفظ الضلال في المورد الذي يكون ترك الطريق خطاءً أو من غير علم» (2).
ولعلّ المتحصّل من مجموع ما تقدّم أنّ هذه المادّة تفيد ما يقابل الاهتداء، فيكون الضلال: فقدان الرشاد والدلالة إلى المقصود، سواء كان في جهة مادّية أو معنوية. ومن لوازم ذلك: الخطأ، العدول عن الطريق، الضياع، الغيبوبة، وغيرها، فإنّ هذه الأمور تتحقّق في أثر عدم حصول الاهتداء إلى المقصود.
ثم إنّ عدم الاهتداء إلى المقصود والهدف، أعمُّ من أن يكون في حقّ أو باطل؛ فإنّ مطلوب كلّ شخص بحسب نظره، أمّا الأوّل كما في قوله: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء: 116) وقوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب: 36).
وأمّا الثاني كما في قوله: (قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
ــــــــــ
(1) معجم مقاييس اللغة: مادة «ضلّ»، ج3، ص356.
(2) المفردات في غريب القرآن: مادة «ضلّ»، ص297.
صفحة 399
(الأعراف: 60) وقوله: (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (يوسف: 8).وعلى هذا فتفسير هذه المادّة بالانحراف عن الحقّ، في غير محلّه.
والشواهد القرآنية الدالّة على أنّ أصل هذه المادّة في قبال الاهتداء، كثيرة جداً، منها: (فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) (يونس: 108) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) (البقرة: 16).
ثم إنّ الضلال، إمّا في الاعتقاد كما في قوله: (وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (البقرة: 108)، وقوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء: 136).
وإمّا في الصفات الباطنية كما في قوله: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الزمر: 22) وقوله: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ) (القصص: 50).
وإمّا في الأعمال كما في قوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 8) وقوله: (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (الممتحنة: 1).
وقد يستعمل الضلال بالمعنى العامّ الشامل لما تقدّم كقوله: (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ) (نوح: 27)، وقوله: (وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة: 2).