1: الصراط المستقيم لا يجتمع مع الشرك والظلم أصلاً
من الحقائق الثابتة قرآنيّاً أنّ كلّ ضلال فهو نحو من الشرك كالعكس؛ قال تعالى: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء: 116) حيث عرّف الشرك بالضلال، وقال: (وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (البقرة: 108).ثمّ بيّن أنّ كلّ ظلم نحو من الشرك وبالعكس؛ قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ) (البقرة: 54)، وقال: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا
ــــــــــ
(1) المفردات، مصدر سابق: مادّة «سرط»، ص230.
صفحة 364
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) (المائدة: 72)، وقال: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13)، ولا يفرق أن يكون ذلك الظلم معصية بالأفعال أو انحرافاً في الاعتقاد كما يدلّ عليه قوله تعالى حكايةً عن الشيطان لمّا قضي الأمر: (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (إبراهيم: 22)، وفي هذا المعنى أيضاً قوله: (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً) (يس: 60 ـ 62).ثمّ يعدّ الظلم ضلالاً في قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) (الأنعام: 82)، وهو ظاهر من ترتيب الاهتداء والأمن من الضلال أو العذاب الذي يستتبعه الضلال، على ارتفاع الظلم ولبس الإيمان به.
تحصّل مما تقدّم: أنّ الضلال والشرك والظلم وإن كانت مختلفة مفهوماً إلاَّ أنّها متلازمة مصداقاً، وهذا هو المراد من قولهم: إنّ كلّ واحد منها معرّف بالآخر أو هو الآخر، فالمقصود هو المصداق دون المفهوم.
إذا اتّضح هذا علمت أنّ الصراط المستقيم الذي هو صراط غير الضالّين، صراط لا يقع فيه شرك ولا ظلم البتة، كما لا يقع فيه ضلال أصلاً، لا في باطن الجنان من كفر أو خطور لا يرضى به الله سبحانه، ولا في ظاهر الجوارح والأركان من فعل معصية أو قصور في طاعة، وهذا هو حقّ التوحيد علماً وعملاً، وماذا بعد الحقّ إلاَّ الضلال.