صفحة 1 اللُّبَابُ
في
تفسير الكتاب
العلاّمة
السيد كمال الحيدري
الجزء الأوّل
سورة الحمد
صفحة 2 صفحة 3 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (ص: 29)
صفحة 4 صفحة 5 بحوث تمهيدية
توطئة.
التفسير لغةً واصطلاحاً.
المنهج وأهمّيته.
خطورة الاتّجاهات على العمليّة التفسيريّة.
التفسير بالرأي.
صفحة 6 صفحة 7 القراءة التفسيريّة للنصّ القرآني تحتاج إلى إلمام كبير بمجموعة من المقدّمات التفسيريّة، والتي منها ـ بل أهمّها ـ الوقوف على المناهج التفسيريّة، والوقوف على جملة من القواعد والأصول التي تعدّ بمثابة العناصر المشتركة في عمليّة فهم هذا النصّ.
من هنا جاء أهمّية البحث في مجموعة مقدّمات تفسيريّة تقع بصورة عمليّة في مجريات العلميّة التفسيريّة، والتي من جملتها ـ إن لم يكن أهمّها ـ المناهج التفسيريّة، وبمعيّتها مجموعة أصول تمهيديّة أخرى تدخل بشكل عضويّ في رسم ملامح الرؤية التفسيريّة التي حاولنا انتهاجها.
ولا ينبغي الإغفال عن أهمّية القراءة التفحّصيّة لموضوعات هذه المقدّمات، لاسيّما في ما يتعلّق بالفهم التفسيري للمفردة القرآنيّة وأثرها الجليّ على معطيات العمليّة التفسيريّة، رغم ما نراه ونلتزم به من أولويّة التفسير أو الأسلوب الموضوعي الذي ربما يتوهّم البعض من أنّه أسلوب يغضّ الطرف عن البحث بعمق في المفردات القرآنيّة، أو أنّه يعطي الأولويّة لصورة النصّ لا للمفردة، ولا ريب أنّ ذلك قد يلقي بصاحبه في مزالق كثيرة لفهم المعارف القرآنيّة، وليس هناك أرضيّة تجعله يتحرّك بثبات غير استيعابه لصورة ومادّة المفردة القرآنيّة، وهذا ما جعلنا نتوسّل أسلوباً جامعاً، هو الأسلوب التركيبي الذي سوف يأتي بيانه عمّا قريب.
والذي نأمله من عرض هذه المقدّمات والأصول هو أن يكون موفّقاً ونافعاً في توجيه العمليّة التفسيريّة، ورسم خطوات جديدة تُسهم في تطوير
صفحة 8 طموحات الحركة التفسيريّة المعاصرة، التي تحاول أن تشقّ لها طريقاً يجنّبها الوقوع في حالة من الاجترار والتكرار.
يطلق لفظ «التفسير» في اللغة ويُراد منه الإيضاح والتبيين. والتفسير مصدر «فسّر» بتشديد السين، مضاعف فَسَر بتخفيفها. والتضعيف فيه ليس للتعدية، بل هو للدلالة على التكثير، تنزيلاً لما يعانيه المفسّر من كدّ الفكر لتحصيل المعاني الدقيقة ثمّ اختيار أنسب الألفاظ لتأديتها، منزلة العمل الكثير، وأمّا المخفّف فمصدر «فَسَر». وكلاهما في اللغة بمعنى الإبانة والكشف. قال في القاموس: «الفسر: الإبانة وكشف المغطّى، كالتفسير» وفي لسان العرب: «الفسْر: البيان، والتفسير مثله» ثمّ قال: «الفسر: كشف المغطّى، والتفسير: كشف المراد من اللفظ المشكل».
وأمّا في الاصطلاح، فرغم وقوع الاختلاف في تعريف التفسير وحدّه إلاّ أنّه من الممكن الخروج بجامع مشترك يُقرّب لنا مضمون البحث التفسيري، وذلك من خلال الموضوع الذي تدور حوله جميع مسائل التفسير وخصوصيّاته، وهو القرآن الكريم.
فالقرآن الكريم ـ وهو كلام الله سبحانه، المنزّل على قلب النبيّ الخاتم
صلّى الله عليه وآله ـ هو مادّة البحث التفسيري، وبصفته كلام الله سبحانه فإنّ البحث التفسيري سوف يدور حول بيان المراد من كلامه سبحانه في حدود النصّ القرآني، وفي حدود المكنة البشريّة والسعة المعرفيّة للمفسِّر، وبهذا القيد الأخير يتّضح أنّ المفسّر ـ غير المعصوم ـ لا يمكنه القطع والجزم بأنّ هذا هو مراد الله تعالى لا غير.
ثمّ إنّ هناك فرقاً جليّاً بين المراد من كلامه تعالى وبين المراد من كلماته،
صفحة 9 فالكلمات تعني البحث اللغوي في دائرة الوجود اللفظي للقرآن، وأمّا كلامه فإنّه يعني البحث في مضامين الجُمل والآيات والسور والمضامين المشتركة في وحدة موضوع واحد، وإن كانت منتشرة بين دفّتي الكتاب كما سيتّضح ذلك لاحقاً عند تناول أسلوب التفسير الموضوعي.
فالكلمة القرآنيّة وإن كان لها نحو شركة في تركيبة الجملة، إلاّ أنّها لا تمثِّل هدفاً قرآنيّاً ولا تشكِّل مقصداً تفسيريّاً بحدّ ذاتها، بخلاف الجملة القرآنيّة فإنّها تمثِّل هدفاً قرآنيّاً ومقصداً تفسيريّاً، كما أنّ الجملة القرآنيّة لا تمثِّل هدفاً غائباً، وإنّما هي حلقة تشترك مع حلقات اُخر في رسم الموقف القرآني إزاء موضوع من موضوعات القرآن المبحوث فيها.
بعد أن اتّضح لنا معنى العمليّة التفسيريّة وكونها تمثِّل ركناً أساسيّاً في بلورة القراءة القرآنيّة، ينقدح أمامنا سؤال على مستوىً عالٍ وكبير من الأهميّة، هو: إنّ المناهج التفسيريّة كثيرة، فأيّ منهج تفسيريّ يكفل لنا ذلك الهدف المعرفي القرآني؟
قبل الإجابة عن ذلك ينبغي أوّلاً أن نسلّط الضوء على حقيقة المنهج وأهمّيته، ثمّ نعرّج على المناهج التفسيريّة المتداولة بما ينسجم مع خطّة وأهداف أبحاث هذا التفسير.
أمّا المنهج فيُراد به لغةً: «الطريق الواضح» كما ذكر العسكري في الفروق اللغويّة (1). وفي الاصطلاح، قد يُطلق المنهج ويُراد به هيئة الاستدلال وصورته، ولهذا يسمّى المنطق الأرسطي بالصوري، لأنّه يبيِّن شكل
ــــــــــ
(1) الفروق اللغويّة، لأبي هلال العسكري، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلامي، الناشر: جامعة المدرّسين بقم، الطبعة الأولى، 1422هـ: ص298.
صفحة 10 الاستدلال، فيكون المقصود بالمنهج أنّه إذا كان هناك قياس نمارسه في عمليّة الاستدلال، فهو إمّا اقترانيّ أو استثنائيّ، وإذا كان الأوّل فهو إمّا من الشكل الأوّل أو الثاني أو الثالث ونحو ذلك.
وقد يُطلق ويُراد به الأدوات الفنّية التي تضبط البحث وتنمّطه وفق الصيغ المألوفة في العلوم، فعندما يطلق المنهج التاريخي مثلاً، يُراد منه المراحل التي يسير خلالها الباحث التاريخي وفقاً لما هو معروف من جمع الوثائق وإخضاعها للنقدين الخارجي والداخلي، ثمّ صياغة الواقعة التاريخيّة وأخيراً تعليلها.
ونحن لا نقصد هذا المعنى للمنهج الذي ينزل به إلى مستوى الأدوات الفنّية وحسب، ولا المعنى الأوّل، إنّما نريد به معنىً ثالثاً وهو: مجموعة القواعد التي يقف عليها الإنسان للدخول إلى استنباط حقائق أو عقائد معيّنة؛ أي الكشف عن طبيعة القواعد التي نعتمدها لكشف حقيقة من الحقائق.
على هذا الأساس فمن يعتمد القواعد العقليّة لاكتشاف الواقع فمنهجه عقليّ، ومن يعتمد الأدلّة النقليّة في ذلك فمنهجه نقليّ، ومن يعتمد التجربة في إثبات مدّعاه فمنهجه تجريبيّ، ومن يعتمد مكاشفات العارف سبيلاً إلى ذلك فمنهجه كشفيّ، وهكذا.
إذن فالمراد من المنهج هنا هو مجموعة القواعد أو الضوابط المُفضية إلى نتائج حتميّة لها عند عدم وقوع الخطأ في استعمالها.
من هنا يتّضح لنا أهمّية موضوعة المنهج في أيّ مجال معرفيّ، فإنّه ما لم يحدّد الباحث ذلك في الرتبة السابقة فسوف يؤدّي إلى الوقوع في الهلكات المعرفيّة ولا يزيده البحث في إثبات مدّعاه إلاّ بُعداً عنه، ولعلّ هذا هو المراد ممّا ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام حيث قال: «العامل على غير بصيرة |